إعادة تدوير الدم: الطائفية لا تموت بسهولة… والفتنة تعرف الطريق إلى السويداء

الطائفية ليست مرضًا عضويًا في المجتمعات، بل منتَج سياسي وأمني. النظام السابق أتقن هذه الصناعة. واليوم، حين تعجز السلطة الجديدة عن معالجة أزمة محلية، تبدو كأنها تُستدرَج لنفس أدوات الهيمنة القديمة. بعض هؤلاء محسوب على عشائر ومجموعات مسلحة وحتى على الأمن والجيش، وبعضهم الآخر ظهر كـ"رد فعل أهلي"، لكنه تصرّف بمنطق الثأر الجماعي. وفي الحالتين، النتيجة واحدة: دم، رعب، وشقوق في النسيج الأهلي. الأخطر أن هناك من سعى، من كل الأطراف، إلى استثمار الدم لصالح أجندات أوسع: تأجيج خطاب الكراهية على منصات التواصل نشر مقاطع "مهينة" ومقصودة لتأليب الجمهور تسريب معلومات مغلوطة عن مواقف الطوائف أو "مناطق الحاضنة" ما زالت السلطة الجديدة قادرة على تحويل المشهد إلى فرصة: فرصة لإعادة الاعتبار للقانون فوق كل سلاح فرصة للرد على خطاب الطائفية بخطاب العدالة فرصة لحماية المجتمعات، لا عبر الدبابات، بل عبر سياسات تنموية وعدلية حقيقية

نحن… وهم: خطاب الانقسام الذي يأكل أبناءه

النظام السوري منذ اللحظة الأولى للثورة، لم يتحدث بلغة السياسة، بل بلغة الاصطفاف. "جراثيم"، "مندسون"، "عملاء الخارج"، كانت هذه مفرداته المفضلة. "نحن" عنده هم الوطنيون، "هم" هم الخونة. هذا التوصيف لم يكن عشوائيًا، بل جزءًا من هندسة الخوف: اجعل الجميع يشك في الجميع، واحتكر أنت فقط صفة "الوطن". السردية التي قسّمت سوريا، ما زالت تفعل فعلها، ولكنها لم تعد قدَرًا. تفكيكها يبدأ بإدراك وجودها، وبالقدرة على الاعتراف بأننا جميعًا – بلا استثناء – ساهمنا في صناعتها، ولو بكلمة، أو صمت، أو بوست. الثورة كانت فرصة للحرية، فلنجعل ما بعدها فرصة للانتماء لا للتخندق. لعل الخطوة الأولى هي أن نسأل أنفسنا: هل يمكن أن نقول "أنا وأنت"، بدلًا من "نحن وهم"؟

من حلم إلى مكتسب: حرية التعبير تصنع صحوة! 

في سوريا الأسد، لم يكن ممكن تخيّل أن تقف مجموعة من المعلمين في ساحة عامة، يهتفون ضد قرار حكومي، دون أن تطالهم القبضة الأمنية. لم يكن متخيّلًا أن يغلق تجار دمشق أو حلب محالهم احتجاجًا على سياسات الدولة المالية. ولم يكن من المسموح أن يتحدث مواطن علنًا، باسم حقيقي وصورة واضحة، ناقدًا لوزير أو قرار أو مؤسسة. كل ذلك كان يُعد "تجاوزًا للخط الأحمر"، وسببًا كافيًا للاعتقال أو الاختفاء أو النفي.

أيادٍ تطفئ النيران ووزير يشاركهم الماء والتراب!.. سردية جديدة للمسؤول في سوريا

اليوم، حين يتحرك الوزير نحو الناس لا العكس، تبدأ شرارة الثقة. وحين يعمل لا يصرّح فقط، تتشكل ملامح حكومة تشبه مواطنيها، لا تسحقهم تحت شعاراتها. حرائق الساحل ستُطفأ، لكن ما فعله رائد الصالح سيبقى أثرًا طويلًا في الذاكرة السورية. ليس لأنه أنقذ غابة – بل لأنه أنقذ صورة المسؤول من التشويه التاريخي. لقد أعاد تعريف معنى "المسؤولية" لدى شعب لم ير من مسؤوليه سوى البذخ، والخوف، والصمت. ربما لا تزال الطريق طويلة. وربما ستأتي انتكاسات. لكن هذه اللحظة، بكل ما تحمله من رمزية، تقول شيئًا واضحًا: في سوريا الجديدة، الوزير ليس ظلّاً للأسد… بل وجهًا للشعب.

الذاكرة الممنوعة 1– كيف شُوّه الوعي الجمعي للسوريين؟

في سوريا، لم يكن الاستبداد مجرد نظام سياسي يتحكم في الدولة والاقتصاد، بل كان آلة جبارة لإنتاج النسيان. نسيانٌ منظمٌ، مقصود، ومُمنهج، هدفه أن يقطع صلة السوريين بحقيقتهم، ويزرع فيهم صورة مزيّفة لتاريخهم، حتى يفقدوا القدرة على التمييز بين الظلم والعدالة، بين الجلاد والضحية، بين الوطن والسلطة.

طفلة، تلفاز وهمي، ودرس في الهروب من الضجيج.. ابنة أختي “تيا” التي علّمتني درسًا!

وبينما كنّا منهمكين في الحديث، رفعت ابنة أختي "تيا" – ذات الست سنوات – يدها فجأة. كانت ملامحها متعبة قليلاً، وصوتها جادًا أكثر مما نتوقع من طفلة في هذا العمر. قالت بصوت حازم وبلهجة نصف رجاء، نصف أمر: "لو سمحتوا... احكوا بصوت واطي... بدي أشغّل التلفزيون براسي."