في قاعة أشبه بحضن مسرح قديم، تحوّلت المزادات إلى طقوس. يجلس الحضور على كراسي مخملية حمراء، لا يتحرك أحد إلا عندما يُسمح له بذلك. خلف المنصة لافتة ضخمة مكتوب عليها بخط متأنق: “مزاد النخبة – حيث تُشترى العقول لا الأوهام.”
دخل الرجل بخطى ثابتة. بد عادياً، لكن ما أتى به لم يكن كذلك. بيده صندوق شفاف، داخله شيء نابض… لا، ليس قلباً. كان عقله.
نعم، عقله الكامل، الموضوع بعناية بين وسادتين من المخمل الأزرق، ملفوفاً بورق يقال إنه من بقايا دستور قديم.
قال عرّاب المزاد، بصوت رخيم كأنّه يقرأ ترنيمة:
“السادة الحضور، نُقدّم اليوم عقلًا نادرًا…
هذا العقل قرأ، وحَلِم، وتجرّأ على أن يسأل… لكنه الآن للبيع.”
ابتلعت القاعة صمتها. ثم رُفع أول كرت:
— “هل يحتوي على ذكريات سياسية؟”
— “نعم.”
— “هل سأل يومًا: لماذا يحكمنا هذا؟ ولم لا نغيّر ذاك؟”
— “نعم.”
— “هل سبق أن حلم بثورة؟”
— “بل وشارك بواحدة.”
رُفعت كروت كثيرة، ثم بدأت تُخفض فجأة.
المزايدون ينظرون لبعضهم، بعضهم حرّك سبابته للوراء، آخر أخرج من جيبه قناعًا غطّى به وجهه، وأحدهم خرج وهو يتمتم: “العقل ملوّث… بالأسئلة.”
وقبل أن يعلن عرّاب المزاد بدء الجولة الثانية، فتح الباب الخلفي فجأة.
دخل أربعة رجال ببدلات رمادية، خطواتهم منتظمة كصوت بندقية تُفرّغ رصاصها في جدارٍ صامت.
قال أحدهم وهو يلوّح ببطاقة بلا اسم:
— “نحن من الهيئة العامة لصون العقول. بناءً على المادة 13 من قانون الأمن الفكري، يُمنع بيع أي عقل أبدى علامات نشاط سياسي.”
صعد اثنان منهم إلى المنصة، أمسكوا الصندوق. الرجل لم يقاوم. نظر للحضور، وابتسم.
— “أخبرتكم أنه يعمل… هذا العقل، لا يُسكت بسهولة.”
حاول عرّاب المزاد التدارك:
“أصدقاؤنا في الهيئة… نأسف… لم نكن نعلم أن العقل… يحتفظ بأرشيف.”
رد أحدهم:
“كل عقل يفكّر هو مشروع شغب… سنعيد برمجته.”
وعندما غادروا، ساد القاعة صمت أطول من كل الأسئلة. ثم، وكأن شيئاً لم يكن، صعد العرّاب مرة أخرى.
مسح المنصة بمنشفة خفية، وقال:
“فاصل قصير… ثم نعود لنقدّم لكم عقلًا جديدًا: نظيف، مفرّغ، لا يشك، لا يقرأ… فقط ينفّذ.”
في الزاوية، جلس طفل صغير، تمتم في أذن جدّه:
“جدو… هل يمكن بيع قلبي بدل عقلي؟”
ضحك الجد وهمس:
“لا تخف… القلوب لا تُصادر، فقط تُكسر.”
