في زاوية مدينة صغيرة، حيث الحياة تسير على وتيرتها المملة، ظهرت جريدة جديدة فجأة. اسمها كان بسيطًا وغريبًا: “المستور”. على واجهتها شعار غامض: “المستور: ما كان غدًا… صار اليوم”. لا أحد يعرف من أين جاءت، ولا من يملكها، لكنها سرعان ما جذبت الأنظار. كان السبب بسيطًا ومثيرًا: الجريدة تنشر أخبار المستقبل.
في البداية، ظنها الجميع مجرد مزحة. “زلزال سيضرب شارع الحي الغربي يوم الثلاثاء”، كان هذا أول عنوان لفت الانتباه. ابتسم سكان الحي، ظانين أن الأمر مجرد دعابة سيئة. لكن في ذلك الثلاثاء، في تمام الساعة الرابعة مساءً، حدث الزلزال. لم يكن قويًا بما يكفي ليُحدث أضرارًا كبيرة، لكنه كان دقيقًا تمامًا كما وصفت الجريدة.
انتشرت الجريدة كالنار في الهشيم. الجميع أصبح يتابعها يوميًا. المشكلة الوحيدة أن أخبارها كانت دائمًا ساخرة أو سلبية. “مطعم المدينة الأشهر يغلق أبوابه بعد فضيحة صحية”، “اختفاء قطط الحي الشمالي بسبب غزو جرذان متوحشة”، أو “رئيس البلدية يُقبض عليه متلبسًا بسرقة كرسي مكتبه”. كل عنوان كان غريبًا، وكل خبر كان يحدث بدقة مرعبة.
“لابد أن هناك خدعة هنا،” قال نادر، صحفي شاب يعمل في إحدى الصحف المحلية المغمورة. كان نادر واحدًا من الذين رفضوا الانبهار بالجريدة. قرر أن يحقق في الأمر بنفسه. بدأ بزيارة مكتب الجريدة، أو على الأقل العنوان المكتوب على الصفحة الأخيرة منها.
وجد نادر مكتبًا صغيرًا، بلافتة باهتة مكتوب عليها “المستور”. استقبله رجل مسن يرتدي نظارات سميكة وابتسامة غامضة. كان هذا الرجل رئيس تحرير الجريدة، ويدعى السيد منير. بدا عليه الهدوء والثقة المريبة.
“كيف تحصلون على هذه الأخبار؟” سأل نادر مباشرة.
ابتسم منير وأجاب: “نحن لا نخبر المستقبل، نحن فقط نقرأه.”
لم يكن الجواب كافيًا، لكنه كان كافيًا لإثارة المزيد من الفضول لدى نادر. حاول استجواب الرجل أكثر، لكن كل إجاباته كانت ملتوية أو ساخرة، تمامًا كالأخبار التي تنشرها الجريدة.
مع مرور الوقت، بدأ تأثير الجريدة يتعمق، لكن معظم الناس تعاملوا مع أخبارها كحقائق لا يمكن تغييرها. امرأة قرأت خبرًا يتنبأ بخيانة عريسها بعد الزواج، لكنها لم تلغِ حفل زفافها، معتبرة أن ما سيحدث مكتوب لا محالة. تاجر اطلع على خبر عن انهيار الاقتصاد المحلي، لكنه استمر في إدارة متجره كالمعتاد، معتقدًا أن بيع المتجر لن يغير المصير.
حتى أولئك الذين أظهروا تظاهرًا بالرغبة في تحدي الجريدة لم يتخذوا خطوات جادة. السيد كمال، صاحب مطعم صغير، قرأ خبرًا يتنبأ بإغلاق مطعمه بعد حادثة تسمم، لكنه لم يفعل أكثر من تنظيف مطعمه بشكل روتيني، مقتنعًا أن التغيير الحقيقي ليس بيده. وفي اليوم المحدد، أغلق المطعم كما توقعت الجريدة، لكن بسبب ماس كهربائي أدى إلى حريق صغير، وليس التسمم.
في أحد الأيام، نشرت الجريدة خبرًا يقول: “الجريدة نفسها ستتوقف عن النشر بعد أسبوعين”. أثار الخبر ضجة كبيرة. كيف يمكن لجريدة تعرف المستقبل أن تتنبأ بنهايتها؟
نادر كان في ذروة فضوله. بدأ يراقب مكتب الجريدة يوميًا. لاحظ أن الموظفين يدخلون ويخرجون كالمعتاد، لكن شيئًا غريبًا كان يحدث. الحبر المستخدم في الطباعة بدأ ينفد، ولم تصل أي شحنات جديدة. أجهزة الطباعة كانت قديمة وتتعطل بشكل متكرر. بدا وكأن الجريدة كانت تموت ببطء، تمامًا كما توقعت.
في يوم صدور العدد الأخير، توجه نادر إلى المكتب مرة أخرى. وجد السيد منير جالسًا خلف مكتبه، يكتب شيئًا بخط يده.
“هل هذا هو الخبر الأخير؟” سأل نادر.
أجاب منير بابتسامة هادئة: “نعم، وسأتركه مفاجأة.”
في صباح اليوم التالي، لم يجد سكان المدينة الجريدة على أرفف الأكشاك. توقفت “المستور” عن الصدور. لم يترك رئيس التحرير ولا أي من الموظفين أي تفسير. لكن في مكان الجريدة المعتاد، وُجدت ورقة واحدة مكتوب عليها:
“لقد كنتم تعرفون المستقبل، لكنكم لم تحاولوا تغييره. هذه مشكلتكم.”

تعليقك على خير إن شاءالله تبارك الرحمن الرحيم السلام عليك ورحمة لله وبركاته لله اكبر لله معكم على خير يا رب العالمين أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين