من بوابة إلى متحف
في خضم أزمات التعليم التي تعصف بسوريا، تحولت المناهج الدراسية من وسيلة لبناء المستقبل إلى أرشيف حي لأفكار مضى عليها الزمن. تلك المناهج، التي يُفترض بها أن تكون جسراً يربط الطالب بالعالم المتغير، باتت تُشبه متحفاً يحوي أفكاراً قديمة تصر على إعادة سرد قصص عفى عليها الزمن. والحق يُقال، ربما تستحق هذه المناهج جائزة “أفضل ممارسات للحفاظ على التراث”!
العودة إلى السبعينيات
لا يخفى على أحد أن المناهج السورية لا تزال متجمدة في زمن قديم، بأساليب تعليمية تعود إلى القرن الماضي. الرسومات التوضيحية تبدو وكأنها تمرين لمبتدئ في الرسم، والنصوص أقرب إلى خطب حزبية تعكس لغة لا تفهمها الأجيال الحالية. أما التكنولوجيا، فهي غائبة كلياً، وكأن التعليم السوري يعيش في عزلة اختيارية، يرفض العدوى بـ”فيروس” الحداثة.
الطالب: ضحية التناقضات
يقف الطالب السوري اليوم كمن يحمل خريطة لعالم لم يعد موجوداً، يُطلب منه حفظ تاريخ بطولات قديمة في وقت يتطلب فيه العصر مهارات تقنية، لغات عالمية، وقدرة على التفكير النقدي. التعليم، بدلاً من أن يكون أداة لتأهيل الطلاب للتحديات، بات وسيلة لتثبيت القناعة بأن الماضي هو كل شيء، وكأن الطريق إلى المستقبل يبدأ بالعودة إلى الوراء.
مستقبل مُعلّق بين الحلم والواقع
التعليم السوري يحتاج إلى ثورة حقيقية، لا تقتصر على تحديث المناهج بل تشمل تغييراً جذرياً في الفكر الذي يوجهها. الأمر لا يتعلق فقط بتنقيح الكتب، بل بإعادة صياغتها لتواكب احتياجات السوق العالمي، ولتمنح الطلاب الأدوات اللازمة للمنافسة والابتكار.
إصلاح يخدم الأيديولوجيا لا الطلاب
أعلنت الإدارة الجديدة في سوريا عن مبادرة طال انتظارها لتعديل المناهج، لكنها سرعان ما كشفت عن هدفها الحقيقي. التعديلات لم تكن لصالح تطوير التعليم، بل لخدمة أيديولوجيات السلطة. صفحات تُحذف، وجمل تُعدّل، ومواضيع تُضاف لا لأنها بالية، بل لأنها لا تتماشى مع “التوجه السياسي”. هكذا تحولت المناهج إلى وسيلة لتعزيز النفوذ بدلاً من بناء عقول ناقدة ومبدعة.
جيل بين القيود والشعارات
بينما يُطوّر العالم مناهجه لتتناسب مع المستقبل، تسير المناهج السورية في الاتجاه المعاكس، مقيّدة بالاعتبارات السياسية. النتيجة؟ جيل يُتقن ترديد الشعارات لكنه يفتقر إلى المهارات التي تؤهله لمواجهة العالم.
التعليم لا ينتظر
في نهاية المطاف، التعليم ليس ترفًا يمكن تأجيله حتى تتحسن الأوضاع السياسية أو الاقتصادية. إنه استثمار طويل الأمد لا يمكن أن يؤتي ثماره إلا إذا بدأنا الآن. وربما حان الوقت لأن نضع المناهج السورية على طاولة الجراحة، ونتخلص من “الأجزاء التالفة” التي أرهقتها العقود، ونزرع فيها نبض المستقبل.
لعلّنا يومًا، بدل أن نضحك على حال التعليم، نفخر به. ولكن حتى ذلك اليوم، سنظل نعيش في كتاب مدرسي من القرن الماضي، في انتظار تغيير لا يأتي.
