في هذا الزمن العجيب، لم تعد الثقافة تحتاج إلى كتب. لماذا تهدر ساعاتك الثمينة على قراءة كتاب بينما يمكنك ببساطة حفظ جملة أو اقتباس مأخوذ من غلاف رواية مشهورة؟ “كن أنت التغيير الذي تريد رؤيته في العالم”، voilà، هكذا تصبح فيلسوفًا عصريًا في ثوانٍ!
لم يعد الأمر متعلقًا بالمعرفة، بل بالصورة التي تريد أن يراك الناس بها. الكتاب؟ مجرد أكسسوار. الثقافة؟ مظهر لا أكثر.
الثقافة السطحية: “كن مثقفاً بلا مجهود”
لنتحدث بصراحة. هل رأيت تلك الصور على السوشيال ميديا، حيث يجلس شخص أمام نافذة مطلة على البحر، يحمل كتابًا وعلامة “اقتباس” عملاقة بجانبه؟ لا تنخدع، الكتاب في الصورة قد لا يكون مفتوحًا أبدًا. لماذا؟ لأن عنوانه فقط يكفي لإيهام الجميع بأن صاحبه من “نخبة المجتمع”.
“قواعد الأرق الأربعون”، “كيف تصبح عبقريًا خلال استراحة الغداء”، و”الذكاء في عصر الغباء”. عناوين رنانة، مضمونها؟ تقريبًا لا شيء. لكن من يهتم؟ يكفي أن تضع صورة الغلاف على إنستغرام مع كوب قهوة وسطر مزيف مثل: “هذا الكتاب غيّر حياتي”، ليقتنع الجميع أنك قمت بقراءة عميقة.
الكتب التافهة: نجاح باهر بلا معنى
هل تساءلت يومًا لماذا تتصدر كتب لا معنى لها قوائم المبيعات؟ الجواب بسيط: نحن نعيش في عصر تسويق التفاهة. رواية تدور حول قصة حب مثالية بين “نور” و”قمر”، حيث تتلخص الفكرة كلها في عبارة: “نحن نعيش لنتألم”، تنفجر مبيعاتها كأنها كنز أدبي، بينما كتب الجاحظ تملأ الرفوف في المكتبات لا يقترب منها سوى الغبار.
بعض الكتّاب أدركوا أن القارئ الحديث ليس لديه صبر ولا اهتمام، لذا قرروا أن يكتبوا كتبًا أشبه بـ”تغريدات مطولة”. لا تحتاج للتفكير، فقط للحفظ. أحيانًا يبدو أن نجاح الكتاب يتوقف على عدد الاقتباسات التي يمكن استخدامها في بوستات السوشيال ميديا.
الترويج السري: هل يدفعون لنا لنقرأ هذه الكتب؟
من الغريب أن تجد كاتبًا يكتب كتابًا مليئًا بالتكرار والجمل المبهمة، ثم يتحول إلى ظاهرة. لماذا؟ لأنه يبدو أن هناك ماكينة دعائية تعمل خلف الكواليس. الناشرون يختارون تلك الكتب التي يمكن بيعها بسهولة، ليس لأنها جيدة، بل لأنها تخلق وهمًا بالعمق.
بينما الكتّاب الحقيقيون، الذين يناقشون قضايا حقيقية ومعقدة، لا يجدون أي اهتمام لأن كتبهم ليست “ممتعة” بالمعايير الحديثة. من يريد قراءة كتاب عن الحروب أو الأخلاق بينما يمكنه قراءة كتاب يحتوي على عبارات مثل: “القلب ينبض، والعقل يضيع”.
نسيان الكتاب: الكتاب الورقي في عداد الموتى
كان الكتاب الورقي يومًا رمزًا للمعرفة، أما اليوم، فهو مجرد قطعة ديكور. الكتب أصبحت أدوات لإثارة الإعجاب، لكنها نادرًا ما تُقرأ. المشكلة ليست في الكتاب، بل في القارئ. لماذا نقرأ كتابًا بينما يمكننا مشاهدة فيديو يلخصه في دقيقتين مع موسيقى مؤثرة؟
كيف تصبح مثقفًا دون أن تقرأ؟
لديك طريقتان:
- احفظ اقتباسات جاهزة. شيء مثل: “الحياة ليست ما نراه، بل ما نحسّه” – لا أحد سيطلب تفسيرًا.
- اعرف عناوين الكتب الشهيرة. عندما يسألك أحدهم عن “الحب في زمن الكوليرا”، قل ببساطة: “يا له من كتاب رائع عن الحب الصعب!”، وستنتهي المناقشة.
المستقبل: ذكاء اصطناعي يقرأ عنك
ربما في المستقبل، سنترك الذكاء الاصطناعي يقرأ الكتب عنا. عندها، سنصبح “مثقفين” بطريقة جديدة تمامًا: روبوتنا الشخصي سيقدم لنا ملخصًا عن فكر نيتشه أثناء تنظيف الأسنان.
خاتمة: نحن بحاجة إلى كتب جيدة أم قارئ جيد؟
الحقيقة هي أننا بحاجة إلى قارئ يبحث عن قيمة، وليس عن مظهر. العالم لا يحتاج إلى مزيد من الاقتباسات السطحية، بل إلى عقول حقيقية تفهم وتناقش وتشكك. إلى أن يحدث ذلك، استمتع برؤية المزيد من الكتب تتحول إلى مجرد خلفيات لتصوير كوب قهوة ساخن.
