عندما تقرر الذهاب إلى المسرح في سوريا اليوم، فأنت إما مغامر يبحث عن تجربة سريالية، أو شخص فقد الأمل في المنطق ويريد أن يشاهد عرضًا أقل دراماتيكية من حياته اليومية. فالسؤال الحقيقي ليس: “هل لا يزال المسرح ضرورة؟”، بل: “هل لا يزال موجودًا أصلاً؟”

المسرح السوري.. منبر أم متحف؟

لطالما كان المسرح في سوريا مساحة للجرأة والتعبير، منصة يهرب إليها الواقع السوري من نفسه، حيث وقف المسرحيون يومًا ما ليطرحوا أسئلة عن الحرية والعدالة والإنسانية، قبل أن يتحولوا لاحقًا إلى متخصصين في فن المراوغة، يضعون رسائلهم بين السطور، ويتحدثون بلغة رمزية لا يفهمها سوى الناقد المسرحي الذي أتى مجبرًا على الحضور.

أما الجمهور؟ فهؤلاء كانوا في يوم من الأيام يحتشدون في المسارح ليروا أعمال سعد الله ونوس وممدوح عدوان وفواز الساجر، يبحثون عن معنى وسط الضجيج. اليوم، يكفي أن تقرأ أخبار أسعار الخبز لترى أعظم عرض مسرحي واقعي في العالم، حيث المشهد العبثي ليس مجرد أداء على الخشبة، بل حياة كاملة تكتب نصوصها الحكومة وتقننها وزارة التموين!

من الخشبة إلى الرفاهية: متى أصبح المسرح “ترفًا”؟

في بلد حيث البحث عن جرة غاز قد يستغرق وقتًا أطول من كتابة نص مسرحي، وحيث انقطاع الكهرباء أصبح خلفية مسرحية دائمة لأي عرض، لم يعد المسرح في قائمة الاحتياجات الأساسية. في الواقع، أصبح من الكماليات التي ينافسها “كيس بطاطا” أو “كيلو بندورة”.

المسرح، الذي كان يومًا صرخة في وجه الظلم، صار أقرب إلى غرفة هروب نفسي يلجأ إليها من يملكون رفاهية الوقت، أو أولئك الذين يعتقدون أن الفن يمكنه إصلاح ما أفسدته الطوابير الطويلة وانقطاع الكهرباء المستمر.

المسرحيون: آخر الناجين من معركة البقاء

وسط كل هذا، لا يزال هناك مسرحيون في سوريا، وهم يشبهون الباندا في البرية، كائنات نادرة تكافح للبقاء رغم انقراض بيئتها الطبيعية. إنهم أولئك الذين يصرّون على كتابة نصوص جديدة، رغم أن الجمهور الأساسي اليوم بات مشغولًا بكتابة قائمة مشترياته المفقودة.

هؤلاء الفنانون الذين يحملون همّ المسرح يواجهون أزمة مضاعفة: كيف تُنتج عرضًا مسرحيًا في بلد بالكاد يملك إمكانيات تشغيل إنارة المسرح نفسه؟ وكيف تُقنع الجمهور بالحضور عندما يكون كل مشهد في الحياة اليومية أكثر دراماتيكية من أي نص؟

المسرح أم السوشيال ميديا: من يروي الحكاية؟

ربما كان المسرح في السابق المنصة الأولى للجدل الاجتماعي، لكنه اليوم خسر معركته أمام “المسرح الجديد”: السوشيال ميديا. هناك، الجميع ممثلون دون تدريب، والنصوص تُكتب بسرعة قياسية دون مراجعة، والجمهور يصفق لكل منشور يحتوي على عبارة مثيرة. فلماذا يحتاج السوري إلى مسرح، بينما يمكنه متابعة دراما كاملة من التعليقات على أي منشور حكومي؟

خاتمة: هل من ضرورة للمسرح؟

في النهاية، يظل المسرح في سوريا احتياجًا مخفيًا تحت طبقات من الأولويات المنهكة. إنه كالقهوة بدون سكر: ربما لا تضيف حياة يومية أفضل، لكنها تعطيك جرعة من الصبر لمواصلة الحياة. المسرح ليس مجرد خشبة وعرض، بل مرآة للواقع، وحتى لو كان الجمهور قد قلّ، والمسرحيات أصبحت شبه نادرة، فإن الحاجة إلى الفن لم تمت، بل تأقلمت، ووجدت طرقًا أخرى للبقاء، حتى لو اضطررنا أحيانًا إلى إعادة تشغيل المولد لنكمل المشهد الأخير.

السؤال الحقيقي إذن ليس: هل المسرح ضرورة؟ بل: هل ما زلنا قادرين على الحلم؟

أضف تعليق