امرأة واحدة، وجحيمٌ من وجوه

شخصية سمية، بطلتنا، ليست بطلة خارقة، بل امرأة فقيرة، أرملة، وأم، تحاول النجاة بكرامتها في مدينة تنهشها الذئاب البشرية. عتبة النص تنفتح على جريمة قتل، تبدو للوهلة الأولى دفاعًا عن النفس، لكنها تأخذ سمية إلى أعماق السجون، وتُدخل القارئ في رحلة بين الجدران، حيث تتعرّى القيم المجتمعية، ويتكشف الزيف والخذلان.

الرواية تُبنى على جريمة تبدأ بها وتنتهي حولها، لكن الحدث الجنائي ليس إلا مدخلاً لعالم أكبر: عالم النساء في سجن العنبر 208. من خلال علاقات سمية بالسجينات، خاصة رنا، أستاذة الأدب المحكومة بالمؤبد، يبدأ النص في طرح أسئلته الأعمق عن القدر، والمسؤولية، والمجتمع، والهوية الأنثوية في ظل العدالة الذكورية.

سرد مكثّف ومشحون بالعاطفة

نجح الكاتب بأسلوبه السلس والمباشر أن يخلق توازنًا بين الحبكة المشوقة والنبرة الإنسانية. اللغة لا تتغنّى كثيرًا، لكنها تعرف تمامًا كيف توصل الألم، وتجعل القارئ يتعاطف، وربما يغضب، ويبكي مع سمية. هناك جمل تلامس القلب مثل:

“الفقر ليس عيبًا، لكنه أحيانًا يتحوّل إلى وحش يدفعك لحافة الجريمة.”

العنبر 208… مسرح للمجتمع

تحوّل العنبر 208 إلى استعارة كبرى للمجتمع العربي، بطبقاته المختلفة، وقوانينه الظالمة، وعلاقاته المختلة. كل سجينة تمثل حكاية، وكل حكاية تمثل وجهًا من وجوه القهر. ورغم سوداوية المشهد، هناك شعاع ضوء، يتمثل في رغبة سمية في التعلم والقراءة، وفي وجود شخصيات مثل رنا التي تمثل النضج والمعرفة.

الرجال في الرواية: بين الطمع والخيانة

لا يقدم النص صورة مثالية عن الرجال؛ بل على العكس، معظمهم يمثلون الغطرسة، الشهوة، والنفعية. من علام التافه، إلى الأعمام الأنذال، وصولًا إلى القاضي الذي لا يرى من سمية سوى تهمة. الرجل الاستثناء هنا هو أبو جاسر، الذي احتضن إياد ابن سمية، وكان تمثيلًا نادرا للشهامة.

عنوان الرواية: الرقم 208

يحمل الرقم دلالة رمزية قوية، فهو ليس فقط رقم الغرفة في السجن، بل رمز لحدود الحرية، ومرآة للغربة، وأحيانًا للقدر. تختزل الرواية حياة بكاملها في هذا الرقم، وكأنها تقول: “كلنا نحمل عنبرنا الخاص، وجرحنا المرقّم.”

أضف تعليق