ما يُحسب للرواية أنها تفتح بابها للقارئ من دون تعقيد، بلغة بسيطة وقريبة، تجعل من السهل التماهي مع المشاعر والأحداث. لكن هذه البساطة، رغم كونها نقطة قوة في الوصول، تصبح في بعض المواضع نقطة ضعف، حين تفقد اللغة توترها الأدبي اللازم، ويغيب عنها الاشتغال الفني الذي يمنح السرد بعدًا إضافيًا.

لا شك أن الكاتبة تمتلك حسًا إنسانيًا عاليًا، يتجلى في تصويرها لتفاصيل الحياة اليومية، وفي التعبير عن الحنين، والوحدة، والتشتت الداخلي. لكنها، في المقابل، كانت قادرة على الذهاب أبعد، لو أنها منحت النص مساحة أكبر سواء على مستوى اللغة أو بناء الشخصيات.

من الجوانب اللافتة في العمل، هو رسم الشخصيات النسائية. مريم فرح لا تقدم نماذج مثالية، بل نساءً معذبات، تائهات، قويات أحيانًا، وهاربات أحيانًا أخرى، وكأن الرواية تسرد حكاية أنوثة تبحث عن اعتراف العالم بها، وعن مساحة للتنفس وسط عالم يفرض عليهن أن يكنّ دائمًا في موقع التكيف والصمت.

أما الزمن في الرواية، فهو ليس خطيًا بقدر ما هو عاطفي. تقفز البطلة بين لحظات في الذاكرة، تمامًا كما يفعل كل مغترب حين يستيقظ في غربته ويجد رأسه غارقًا في مشاهد من وطنٍ لا يعود كما كان. وهذا البناء يمنح الرواية جوًا تأمليًا، يتماهى مع التجربة الشعورية للبطلة.

ومع ذلك، من الإنصاف القول إن “بين غربتين” تُعبّر عن تجربة حقيقية، وتلتقط لحظات شعورية صعبة قلّما تجد لها مكانًا في الأدب العربي المعاصر، خصوصًا فيما يخص النساء المهاجرات أو المغتربات. هي رواية صادقة في نواياها، قريبة من القلب، وتصلح أن تكون بداية مشجعة لكاتبة يُتوقع منها الكثير مستقبلًا.

أضف تعليق