عندما كانت طائرات الأسد تُغرق السماء بالبراميل والصواريخ، كانت إسرائيل تراقب من بعيد… تراقب وتنتظر. واليوم، بعد أن سقط الأسد وسقطت معه طائراته أو خمد هديرها، دخلت إسرائيل المشهد من الباب ذاته: من السماء. الطائرات تغير، المدنيون يموتون، والمبررات جاهزة دائمًا: “استهدافات دقيقة”، “أهداف إيرانية”، “ردع مشروع تهديد”.

لكن ما يراه السوريون على الأرض شيء آخر: ميت جديد، منزل منهار، ذاكرة مدمرة.
ما الفرق إذًا؟ الطائرة التي تقصف، لا تسأل عن اسم الحاكم، ولا عن راية النظام الجديد، بل تقتل لأنها تستطيع.

طائرات مختلفة، سياسة واحدة: السوري هو الهدف

طائرات الأسد كانت تقتل السوريين بحجة “الإرهاب”، وإسرائيل تقتل السوريين بحجة “حماية الأمن القومي”.
النتيجة واحدة: جثث بين الركام، وطفل يُنتشل من تحت الإسمنت، وامرأة تنادي على أبنائها.
في الحالتين، لم يكن الهدف مجرّد مبانٍ أو نقاط عسكرية، بل المجتمع السوري نفسه.

هل تبدّل القاتل؟ نعم.
هل تبدّلت الضحية؟ لا.

بعد الأسد: هل توقّف القصف؟

كان بعض المتفائلين يظن أن سقوط النظام يعني انتهاء مسلسل الطائرات. لكن السماء لم تهدأ. لم تأتِ إسرائيل هذه المرة لتضرب نظامًا، بل لتؤكّد أن اليد العليا فوق سوريا ليست يد السوريين.
هي تقول عمليًا:
“من يحكم في دمشق لا يهم. ما يهم هو أنكم لن تملكوا سماءكم.”

إسرائيل تستنسخ الأسد… بنسخة عالية التقنية

الأسد قصف حلب بالبراميل، وإسرائيل تقصف مطار حلب بصواريخ ذكية.
الأسد دمّر حمص تسوية على أهلها، وإسرائيل تدمّر مستودعات في محيط حمص.
الأسد قتل السوريين بـ”صواريخ محلية الصنع” في درعا وريف دمشق، وإسرائيل تقتلهم بـ”إحداثيات دقيقة” وخسائر جانبية…
لكن في النهاية: القبر نفسه، والدم ذاته.

السوري بين مطرقتين… والسماء ساحة تصفية

السوري لا يحتاج أن يعرف اسم الطيار الذي قصفه، بل فقط أن ينجو.
لكن ما لا يُغتفر، هو أن تستمر هذه الغارات حتى بعد أن خرجت سوريا من كابوس الاستبداد، وكأن العقوبة لا ترتبط بالنظام، بل بالوطن نفسه.

إذا كانت إسرائيل تقصف مواقع عسكرية كما تدّعي، فلماذا تقع الانفجارات دائمًا بجوار المدنيين؟
وإذا كانت “تتجنب التصعيد”، فلماذا لا تتوقف؟
وإذا كانت “ليست ضد الشعب السوري”، فلماذا لم نرَ مرة واحدة اعترافًا أو حتى اعتذارًا؟

خاتمة: السيادة لا تعطى… تُنتزع

سوريا الجديدة، لن تُقاس بالدستور، ولا بعدد وزراء المعارضة في الحكومة، بل بمدى قدرتها على حماية سمائها.
الأسد قتل السوريين وادّعى السيادة،
وإسرائيل تقتل السوريين وتنتهك السيادة.

وما لم يكن هناك مشروع وطني حقيقي يفرض الإرادة السورية على من يتجرأ على دمها، فسنظل نعيش تحت قصف… يتغير صاحبه، لكن لا يتغيّر المشهد.

أضف تعليق