في بلادٍ يصبح فيها العثور على جرة غاز مغامرة، وشراء كيلو بندورة إنجازًا اقتصادياً، والبقاء على قيد الحياة دون صداع سياسي معجزة، يطرح البعض سؤالًا وجوديًا: كيف لا يزال السوريون يضحكون؟
إنه السؤال الذي حيّر العلماء، وأصاب علماء النفس بالذهول، وجعل كُتاب الكوميديا في العالم يعيدون التفكير في مفهوم النكتة. لأن السوري لا يضحك رغم الأزمات، بل يضحك بسببها!
المشهد الأول: الكهرباء تُعلّمنا فن التكيّف
في أغلب دول العالم، الكهرباء تأتي 24 ساعة يوميًا، أما في سوريا، فالأمر أشبه بلعبة روليت روسية؛ لا أحد يعرف متى تأتي، ولا متى ترحل، وأحيانًا تفاجئك بزيارة قصيرة كأنها مسؤول حكومي يمرّ ليلقي خطابًا قبل أن يختفي مجددًا.
ومع ذلك، كيف يواجه السوري هذه المأساة؟
● عندما تنقطع الكهرباء: “خير إن شاء الله، يمكن الدولة عم توفرنا ضو القمر!”
● عندما تأتي لمدة ساعة: “ما شاء الله، عايشين بالرفاهية، مفكر حالي بأوروبا!”
● عندما تعود فجأة بعد 10 ساعات: “الحمد لله على النعمة، شكرًا سيادة الكهرباء، كرمك واسع!”
وهكذا، تحولت الأزمة إلى مادة خصبة للإبداع الساخر، حتى أن السوري صار يفكر بكتابة رسالة شكر للمخترع توماس إديسون، لأنه لو لم يخترع الكهرباء، لما اضطررنا لانتظارها كل يوم!
المشهد الثاني: الأسعار ورياضيات الفقراء
في سوريا، لا يحتاج المواطن إلى دراسة الاقتصاد أو حضور ندوات عن التضخم، لأنه يختبر ذلك يوميًا وهو يحاول شراء أي شيء.
كيلو اللحمة؟ هذا حلم طبقي، وأسطورة لا يصدقها إلا المترفون.
البيض؟ أصبح رمزًا للبذخ، ومن يمتلك كرتونة بيض يُعامل باحترام يُشبه امتلاك سيارة فارهة.
الخضار؟ كل شيء “بالنظر”، والسعر يتغير بين لحظة وأخرى وفقًا لحالة الطقس وسعر الصرف ومستويات التفاؤل في السوق السوداء.
لكن رغم كل هذا، تجد السوري يضحك وهو يناقش الأسعار:
● “صديقي اشترى بيتًا زمان بـ 5 ملايين، هلأ صحن تبولة بنفس السعر!”
● “صرنا نشتري المكدوس بالقطعة، مو بالكيلو، كأننا بمحل مجوهرات!”
● “إذا بتاخد قرض بنكي، شو بتعمل فيه؟ بشتري كيلو لحمة وأدفع ديوني!”
المشهد الثالث: الزفاف السوري.. رحلة بين الواقع والخيال
في معظم دول العالم، الزفاف يعني الفرحة، في سوريا، هو مشروع اقتصادي يتطلب قرضًا بنكيًا، دعمًا دوليًا، أو خطة تقشفية صارمة.
لكن السوري لا يعرف المستحيل، ويجد الحلول دائمًا:
“الزهور غالية؟ مو مشكلة، نزرع وردة بلاستيك ونحملها للعروس!”
“الكعكة مكلفة؟ ما في داعي، نحط صحن معمول ونقول عنو ديكور!”
“قاعة الأفراح غالية؟ ليش ما نحتفل بالبيت ونستعمل ضوء الموبايلات بدل الثريات!”
وفي النهاية، يتم الزواج، ويردد الجميع: “المهم الحب، والمهم الضحك، والباقي تفاصيل!”
المشهد الرابع: عندما يصبح الطابور مادة للضحك
السوريون لديهم علاقة حب وكراهية مع الطوابير، فقد أصبح الطابور جزءًا من الهوية الوطنية، وحدثًا اجتماعيًا حيث يمكن للناس أن يتعارفوا، يتناقشوا، بل ويتزوجوا!
في أي طابور ستسمع هذه العبارات الساخرة:
● “ما شاء الله، هل هذا طابور خبز أم حفلة موسيقية لأم كلثوم؟”
● “بسرعة يا جماعة، ممكن الشمس تغيب قبل ما نوصل للدور!”
● “ليش عم ننتظر؟! مو مهم، أي طابور هو فرصة للمشاركة الوطنية!”
وهكذا، يتحول الانتظار الطويل إلى جلسة كوميدية مجانية، وكأن الطوابير ليست فقط وسيلة للحصول على السلع، بل أيضاً فرصة لتبادل النكات.
المشهد الخامس: الشعب الذي يمزح مع الموت
في دول أخرى، عندما تحدث كارثة، يكون الحداد هو رد الفعل الطبيعي. في سوريا، أول رد فعل هو “إطلاق نكتة”.
عندما يسقط شيء ثقيل في الشارع، لا أحد يصرخ، بل يقولون:
“يا لطيف، هاد قصف ولا سعر الدولار نزل؟”
عندما تأتي الأخبار الكارثية، يكون التعليق:
“شو يعني؟ هلأ منقلق ولا نستنى شوي لنعرف إذا في أسوأ؟”
وهكذا، أصبح الضحك شكلاً من أشكال المقاومة اليومية، وطريقة يقول بها السوري للعالم:
“رغم كل شيء، نحن هنا… نضحك ونستمر!”
لماذا يضحك السوريون رغم كل شيء؟
– لأنهم يدركون أن البكاء لن يغير شيئًا، لكن الضحك يجعل المأساة أكثر احتمالًا.
– لأنهم تعودوا على التأقلم، فالضحك هو حيلة ذكية ضد القهر والظروف الصعبة.
– لأنهم ببساطة، يؤمنون أن النكتة قد تكون أقوى من ألف خطاب سياسي!
هل الضحك مقاومة؟
في النهاية، قد يكون الضحك في سوريا أقوى سلاح في وجه الواقع. فهو ليس مجرد استراحة مؤقتة، بل طريقة للنجاة، وإثبات أن السوري لا ينكسر بسهولة.
في هذه البلاد، حيث يتحول أي شيء إلى أزمة، وأي أزمة إلى طرفة، يبقى السوري واقفًا، مبتسمًا، مستعدًا لقول:
“خلص، عايشين، وماشي الحال… بس على مين؟!”
