في سوريا، لم يعد السؤال “كيف يمكننا حل الأزمة؟” ذا أي جدوى، فقد جرب السوريون كل الحلول الممكنة: من الخطابات الوطنية، إلى التحلي بالصبر، إلى بيع كل شيء لشراء تذكرة هروب بلا عودة. والآن، وبعد استنزاف كل الخيارات، لم يتبقَّ أمامهم سوى أمل واحد: تدخل إلهي مباشر.
لم يعد أمام السوري سوى رفع يديه إلى السماء والتضرع:
“يا الله، الكهرباء، فقط ساعتين إضافيتين، لا نريد أكثر، فقط لنشحن هواتفنا قبل أن ينقطع الإنترنت أيضاً.”
لكن الله، على الأرجح، ينظر إلى سوريا وهو يحتسي قهوته السماوية متسائلًا:
“ما هذه الفوضى؟ لقد منحتهم بلدًا من أجمل بقاع الأرض، ماذا فعلوا به؟ ولماذا كل هذه الطوابير؟ هل هناك توزيع مجاني للمعجزات؟”
معجزات يومية مطلوبة فورًا!
في سوريا، لم يعد الله مجرد قوة روحية، بل تحول إلى آخر أمل في النجاة. كل يوم، السوريون يطلبون تدخلًا سماويًا في تفاصيل حياتهم اليومية:
معجزة الإنترنت: حيث يتوقف الفيديو عند 99% من التحميل، ويحتاج إلى صلاة استسقاء رقمية لإكماله.
معجزة الأسعار: حيث تصعد الأسعار إلى السماء أسرع من أرواح الصالحين، بينما الرواتب ثابتة كما لو أنها منحوتة على جدار أثري.
معجزة الهجرة: حيث يحصل السوري على فيزا بدون الحاجة إلى تقديم أوراق تثبت أن لديه عشرة أجداد مليونيرين.
وبما أن الحلول الأرضية لم تعد مجدية، أصبح السوري مضطرًا إلى البحث عن رقم مباشر لخدمة “التدخل الإلهي العاجل”..
لماذا يصر السوري على أن الحل بيد الله؟
لأنه جرّب كل شيء ولم يتغير شيء.
لأنه يعلم أن أي مسؤول سيقول له: “المشكلة عالمية، ولسنا الوحيدين”.
لأنه يعرف أن الدعاء قد يكون أسرع من تقديم شكوى رسمية.
لأنه حتى لو لم يتحقق دعاؤه، على الأقل لن يُطلب منه توقيع أوراق رسمية لإثبات أنه بحاجة إلى المساعدة.
الدين أم الحكومة: من يملك الحلول الفعلية؟
يواجه السوريون الآن معضلة وجودية: هل يجب أن يستمروا في تقديم الطلبات إلى المؤسسات الحكومية، أم أن الحل الوحيد هو مخاطبة “الإدارة السماوية” مباشرة؟
المعادلة تبدو بسيطة:
عندما تطلب من الله، لا تحتاج إلى انتظار طوابير طويلة (باستثناء الطابور السماوي يوم الحساب).
عندما ترفع يديك بالدعاء، لن يطلب منك أحد أوراقًا مصدقة من وزارة العدل.
عندما تطلب معجزة، على الأقل تعرف أنها قد لا تحدث، لكن لا أحد سيعطيك وعودًا كاذبة بأن الأمور “ستتحسن قريبًا”.
بالمقابل، لو طلبت شيئًا من أي مؤسسة حكومية، فإنك قد تدخل في متاهة بيروقراطية، حيث ينتهي بك المطاف بملف ضخم، وصوت داخلي يهمس لك: “كان الأفضل أن تكتفي بالدعاء”.
متى يتدخل الله؟
يبدو أن السوري قد أصبح مقتنعًا بأن الحل الوحيد هو “نزول معجزة” تنقذ البلد من أزماته، لكن المشكلة أن الله لديه مشاكل كونية أخرى يهتم بها، مثل المجرات التي تنهار، والنجوم التي تنفجر، وربما يتساءل:
“هل هذه الدولة لم تنضج بعد؟ ألم يحلوا مشاكلهم بأنفسهم؟ لماذا لا يتصرفون كالكبار؟”
لكن السوري، بإصراره اللامتناهي، يستمر في إرسال الطلبات السماوية:
“يا رب، بس كهربا ساعة زيادة!”
“يا الله، بس يخف الغلاء شوي، ما بدنا المعجزات القديمة، بس استقرار بسيط.”
“يا رب، الهجرة بدون انتظار خمس سنوات للحصول على الموافقة!”
في النهاية: هل لا يزال الحل في يد الله؟
بعد كل شيء، ربما يكون الحل الوحيد هو الاعتراف بالحقيقة الساخرة:
“نعم، الله قادر على إنقاذ السوريين، لكن السؤال الأهم: هل السوريون مستعدون لإنقاذ أنفسهم؟”
لأنه مهما بلغت قوة الإيمان، فإن الكهرباء لن تعود بالدعاء وحده، والخبز لن يظهر تلقائيًا فوق المائدة، والأسعار لن تنخفض إلا إذا قرر السوريون أن ينتزعوا مصيرهم بأيديهم، بدلًا من انتظاره ينزل من السماء على شكل مائدة سماوية.
حتى ذلك الحين، يبقى السوري جالسًا، يرفع يديه إلى السماء، وينتظر الإجابة التي قد تأتي… أو قد لا تأتي أبدًا.
