الغياب كأداة قمعية

يقدم الكتاب قصص 35 امرأة، جميعهن تعرضن للاعتقال أو الإخفاء القسري دون محاكمات أو حتى اعتراف رسمي بوجودهن في المعتقلات. يضيء السرد على تفاصيل الاعتقال، والانتهاكات التي تعرضت لها النساء، لكنه في الوقت نفسه، لا يقدم إجابات قطعية عن مصائر معظمهن. هذا الفراغ في المعلومة يعكس بدقة ما تعانيه عائلات المعتقلات من قلق مستمر، حيث يظل السؤال معلقًا: “هل هنّ أحياء؟ أم أن النظام طواهن تحت ترابه؟”

بين التوثيق والأدب: هل نجح النص؟

لغة الكتاب مباشرة، بعيدة عن الزخرفة الأدبية، وهذا ما يجعله أقرب إلى نصوص الشهادة والتوثيق منه إلى السرد الروائي. لم تحاول منى عبود أن تجعل من الألم موضوعًا أدبيًا بل قدمته كما هو، بواقعيته الجارحة وصراحته المطلقة. قد يرى البعض أن السرد يفتقر إلى العمق الأدبي، لكن ذلك ليس محل اهتمام، فالكتاب لم يُكتب ليكون قطعة أدبية، بل شهادة لا تحتاج إلى أي تزيين.

سواءً وجد القارئ أن بعض القصص متشابهة في تفاصيلها أو أن هناك تكرارًا في بعض الأحداث، فإن ذلك لا يقلل من قوة السرد أو من أهمية الرسالة التي يحملها الكتاب. إن كان التكرار موجودًا، فهو جزء من الواقع المرير نفسه، حيث كانت معاناة المعتقلات واحدة، والظلم الذي تعرضن له متشابهاً، وكأن النظام أعاد تكرار جرائمه المرة تلو الأخرى دون خجل.

المرأة كوقود للحرب والنسيان

تتكرر فكرة أن النساء كنّ وقودًا للحرب، لكنهن لم يكن جزءًا من رواية الانتصار. فحتى بعد سقوط النظام، لم تُكتب أسماؤهن في سجلات العدالة، ولم يُفتح أي تحقيق جدي حول مصائرهن. هذا الغياب المتكرر، سواء أثناء وجود النظام أو بعد رحيله، هو ما يجعل الكتاب صرخة ضد النسيان، وضد محاولات طمس ذاكرة النساء في تاريخ الثورة السورية.

نقد البنية السردية للكتاب

عند الحديث عن البنية السردية للكتاب، لا يهم إن كان هناك ضعف هنا أو هناك، أو أن بعض القصص لم تتعمق بالشكل الكافي. فهذه ليست رواية تُقرأ لغناها الأدبي، بل شهادة إنسانية تحاول انتزاع حقوق المعتقلات من براثن النسيان. ربما يفتقد البعض إلى تحليل سياسي أو اجتماعي أكثر عمقًا، وربما كان من الممكن إدراج شهادات تحليلية من مختصين، لكن في النهاية، الهدف الأسمى للكتاب تحقق: إبراز معاناة هؤلاء النساء وتوثيقها قبل أن تُنسى.

هذا الكتاب ليس عملًا أكاديميًا أو تحليليًا، بل هو صوت يحاول كسر جدران الصمت، ويكفي أنه يفتح نافذة على الألم الذي تجاهله العالم لسنوات.

تأثير الكتاب في السياق ما بعد سقوط النظام

يأتي هذا الكتاب في توقيت مفصلي، حيث تحاول سوريا لملمة جراحها وإعادة بناء مؤسساتها بعيدًا عن القمع والانتهاكات. إن نشر هذه القصص لا يجب أن يكون مجرد توثيق للماضي، بل ينبغي أن يكون جزءًا من العدالة الانتقالية، بحيث يتم استخدامه كدليل على الجرائم التي ارتكبها النظام.

ربما يكون التأثير الأكبر للكتاب هو تحفيز المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية على مواصلة الضغط لكشف مصير المختفيات قسريًا، وعدم السماح بأن يُطوى هذا الملف كما طُويت ملفات سابقة في بلدان أخرى مرت بظروف مشابهة.

لماذا علينا أن نقرأ هذا الكتاب؟

“ضبي غراضك” ليس مجرد كتاب عن المعتقلات، بل هو شهادة على تاريخ كامل من القمع الذي عاشته النساء في ظل أنظمة لا تعترف بوجودهن إلا كضحايا أو أدوات ضغط. إن سقوط النظام لا يعني بالضرورة ظهور الحقيقة، لكنه على الأقل يفتح نافذة للبحث عنها، وهذا الكتاب واحد من المحاولات الجريئة التي ترفض أن تُنسى أصوات المعتقلات.

أضف تعليق