عندما ننظر إلى دور الأمم المتحدة في حل الأزمات، نجد أنها أشبه بمن يهرع لإطفاء حريق في المريخ بينما منزله يحترق أمامه على الأرض. منظمةٌ تضم لجانًا وجلسات ومبعوثين ومقررات، لكنها تبدو وكأنها وُجدت لتوثيق الكوارث أكثر من منعها، ولإحصاء الضحايا لا لحمايتهم.

عندما تنظر إلى كوكب الأرض، ستجده غارقًا في الفوضى: حروب لا تنتهي، مجاعات تبتلع الشعوب، أنظمة قمعية تجثم على أنفاس البشر، بينما العالم المتحضر يعقد مؤتمراته بربطات عنق أنيقة ليُصدر بيانات “قلق عميق”. الأمم المتحدة، تلك المنظمة التي يُفترض أنها وُجدت لإنقاذ العالم، تبدو وكأنها تستعد لإنقاذ المريخ قبل أن تفكر بحل مشاكل الأرض!

في كل أزمة، من فلسطين إلى اليمن إلى سوريا، يخرج علينا مسؤول أممي بوجه متجهم ليُخبرنا أن “الأمم المتحدة تشعر بالقلق العميق”، وكأن الشعور بالقلق هو وظيفة مدفوعة الأجر. وحين يرتفع منسوب الجريمة ضد الإنسانية، تأتي العقوبات على هيئة “إدانة شديدة اللهجة”، في مشهد يُذكّر بحصص الانضباط المدرسي حيث يهدد المعلم الطلاب دون أي نية حقيقية للعقاب.

خذوا سوريا كمثال صارخ: منذ عام 2011، اجتمع مجلس الأمن عشرات المرات، عقدت جنيف مباحثاتها، سوتشي احتضن مفاوضات، أستانا ناقشت، مبعوثون أمميون أتوا وذهبوا، تقارير حقوق الإنسان صدرت… لكن النتيجة الوحيدة القابلة للقياس هي تضخم أرشيف الأمم المتحدة بمئات البيانات والتوصيات التي لم تمنع مجزرة واحدة. اللافت أن المنظمة تبدو عاجزة عن فرض أبسط الحلول، لكنها تنشط بفعالية في “إبداء القلق”، و”حث الأطراف”، و”التأكيد على الحاجة للحل السلمي”، وكأن المشكلة تكمن في أن الأطراف لم تسمع هذا الكلام من قبل!

بالمقابل، عندما يتعلق الأمر بمشاريع خيالية مثل استعمار المريخ، نرى نوعًا مختلفًا من الحماس. تتدفق مليارات الدولارات على الأبحاث، تُعقد شراكات بين الحكومات والشركات الكبرى، بل حتى الأمم المتحدة نفسها أطلقت مبادرات حول “التعاون الفضائي المستدام”. الفكرة تبدو وكأن المنظمة، التي عجزت عن تأمين ممر إنساني في الغوطة، تستعد لضمان حقوق اللاجئين في الكوكب الأحمر!

ألم يكن من الأجدر تطبيق هذه الحماسة على الأرض أولًا؟ لماذا تُترك دول كسوريا واليمن وليبيا لحفلات القتل والموت البطيء بينما تُناقش في نيويورك قوانين إدارة المياه على سطح المريخ؟ هل كانت حماية الأطفال السوريين من البراميل المتفجرة تتطلب تقنية أكثر تعقيدًا من إرسال مركبة فضائية إلى كوكب غير مأهول؟

في نهاية المطاف، تبدو الأمم المتحدة أشبه بمكتب بيروقراطي هائل، يضع لوائح لما ينبغي فعله، لكن لا يملك سوى قلم لتوقيع تقارير الإدانة. ولو امتلك القدرة على إصلاح شيء، فقد يبدأ بكوكب الأرض قبل أن يضع خططًا لكوكب لم تطأه قدم بشرية. ولكن، من يدري؟ ربما تنتظر المنظمة حتى تتأهل سوريا لمشروع إعادة الإعمار… ضمن كواكب المجموعة الشمسية!

أضف تعليق