لم يكن “أبو النور” مجرمًا، لكنه كان ذكيًا بما يكفي ليعرف أن العالم مقسوم إلى فئتين: الأغبياء الذين يعملون ويدفعون الضرائب، والأذكياء الذين يعيشون على حساب الأغبياء.
لهذا السبب، عندما أعلنت الحكومة عن مشروع “السجن الفاخر”، عرف أن فرصته قد حانت.
كان المشروع ثوريًا بكل المقاييس: لم يعد السجن مكانًا للعقاب، بل تحول إلى منتجع خماسي النجوم لإعادة تأهيل المجرمين في بيئة مريحة. غرف خاصة، أربع وجبات يوميًا، إنترنت سريع، نادي رياضي، مكتبة، وحتى دروس في الفنون والتنمية الذاتية!
باختصار، حياة أكثر كرامة من حياة الناس العاديين.
عندما رأى “أبو النور” تقريرًا تلفزيونيًا يظهر السجناء وهم يمارسون اليوغا في الحديقة الداخلية، بينما السجان يقدم لهم عصيرًا طبيعيًا، اتخذ قراره النهائي:
حان الوقت لدخول السجن!
لم يكن الأمر سهلاً. فمع الوقت، بدأ الناس يدركون أن السجن أفضل من الحياة في الخارج، وارتفعت الجرائم البسيطة بشكل جنوني، مما اضطر الحكومة إلى رفع معايير القبول في السجون.
جلس “أبو النور” في غرفته الرطبة، وبدأ يخطط: كيف يدخل السجن دون أن يتسبب بأذى حقيقي؟
قرر أن يبدأ بأسهل شيء: سرقة محل تجاري.
دخل بثقة، وضع يده في جيبه كأنه يخفي مسدسًا، وقال بصوت أجشّ:
“هات كل النقود وإلا…”
رفع البائع حاجبه وقال ببرود:
“وإلا شو؟”
تلعثم “أبو النور” قليلًا، لكنه تمالك نفسه وقال:
“يا أخي، إذا كنت تريد دخول السجن، على الأقل اسرق شيئًا ذا قيمة! هذه سرقة من المستوى الثالث، والسجن الآن يقبل فقط المستوى الأول!”
خرج “أبو النور” خائبًا، لكنه لم يفقد الأمل.
قرر أن يجرب شيئًا أكثر جدية، إشعال حاوية قمامة.
جمع بعض الأوراق القديمة وأشعلها، لكنه قبل أن يفرح بالنيران، ظهر شرطي مبتسم وأطفأها بحذائه.
“يا رجل، نحن بالكاد لدينا مكان لمختلسي المال العام، بدك نسجن واحد بيحرق زبالة؟ روح انضب!”
“أبو النور” شعر بالإحباط، لكنه قرر أن يحاول مرة أخيرة.
في اليوم التالي، اتجه “أبو النور” نحو بنك رئيسي. دخل بثقة، رفع يده في الهواء، وصرخ:
“هذا سطو مسلح! أعطوني كل المال!”
لكن بدلاً من الصراخ والخوف، أشار له الموظف بيده إلى طابور طويل من الناس المنتظرين قبله!
“بدورك يا أستاذ، كلنا هون مشان نسرق!”
نظر حوله، ووجد عشرات الرجال والنساء، بعضهم يحملون مسدسات بلاستيكية، وبعضهم كتبوا على لافتات:
“نريد اعتقالًا سريعًا!”
حتى الأطفال كانوا يحملون لافتات تقول:
“أبونا يريد دخول السجن!”
لم يصدق عينيه… حتى في الجريمة، هناك ازدحام وبيروقراطية!
اقترب منه أحد المنتظرين وسأله بصوت هادئ:
“معك واسطة شي؟ إذا ما عندك، والله ما بيدخلوك. أنا إلي شهر عم حاول وما حدا معبرني.”
عاد “أبو النور” إلى غرفته الباردة، أطفأ التلفاز قبل أن يرى تقريرًا جديدًا عن “برنامج العناية بالبشرة للمساجين”، ووضع رأسه على الوسادة.
لكن قبل أن ينام، سمع طرقًا على الباب.
فتح الباب ليجد شرطيًا مبتسمًا يحمل أوراقًا رسمية.
“مبروك يا أبو النور! لقد تم قبول طلبك لدخول السجن الفاخر!”
فتح “أبو النور” فمه بدهشة:
“أنا؟ لكنني لم أفعل شيئًا!”
ابتسم الشرطي وقال:
“بالضبط! الحكومة قررت أن تمنح فرصة للأشخاص الذين يعيشون في ظروف صعبة. أنت مؤهل لأن حياتك خارج السجن أسوأ من داخله!”
نظر “أبو النور” حوله، إلى الجدران المتهالكة، إلى المروحة التي تصدر صوت احتضار، إلى الفاتورة غير المدفوعة على الطاولة… ثم عاد ينظر إلى الشرطي.
“عندي سؤال… الغرف فيها تكييف؟”
أجاب الشرطي بحماس: “طبعًا!”
هزّ “أبو النور” رأسه مقتنعًا، وابتسم ابتسامة ساخرة وهو يرفع يديه مستسلمًا:
“خدوني، يا شباب… حان وقت إعادة التأهيل!”
