في كل مجتمع، سواء كان شرقيًا أو غربيًا، نجد مزيجًا متنوعًا من الأفكار والآراء التي تشكل النسيج الثقافي والفكري لهذا المجتمع. الاختلاف في الآراء ليس عيبًا، بل هو جوهر التقدم والابتكار، إذا كان قائمًا على الاحترام المتبادل وقبول الآخر. لكن ما يحدث في كثير من النقاشات اليوم هو خروج الحوار عن مساره الفكري إلى مستوى من الشخصنة والتجريح، مما يفرغ النقاش من محتواه الأساسي.
حين يُطرح مقال أو فكرة للنقاش، يهدف الكاتب عادة إلى تحفيز التفكير وفتح الأبواب أمام حوار بنّاء. ومع ذلك، قد يتم استقبال الفكرة بشكل مختلف من قبل المتلقين، وهذا طبيعي ومفهوم. فلكل شخص تجاربه وتوجهاته التي تشكل طريقة فهمه وتحليله للأمور. لكن، في بعض الأحيان، تتحول هذه الاختلافات إلى صراع، حيث يصبح الهدف الدفاع عن الذات لا فهم الفكرة أو مناقشتها.
على سبيل المثال، حين نتحدث عن قضايا المجتمع الشرقي، مثل قيود الفكر أو الثقافة، نجد أن النقاش غالبًا ما يتمحور حول الحساسية من النقد. بدلاً من التركيز على جوهر القضية، يتحول الحوار إلى دفاع مستميت عن الهوية، وكأن الفكرة المطروحة تهدف إلى النيل من كرامة المجتمع بأسره. وهذا ليس الهدف مطلقًا.
الفرق بين النقد والهجوم
النقد البنّاء هو الذي يستند إلى أفكار واضحة وحجج عقلانية، بينما الهجوم الشخصي يتجاهل المضمون ويتحول إلى انتقادات شخصية أو اتهامات باطلة. عندما تُطرح قضية مثل “القيود الفكرية” في المجتمع، الهدف ليس الإهانة أو الإشارة إلى أن مجتمعًا ما أقل شأنًا من غيره، بل تسليط الضوء على تحديات مشتركة يمكننا جميعًا العمل على مواجهتها.
الكاتب الذي يطرح فكرة أو مقالاً ليس بالضرورة “متعالياً” على الآخرين، بل قد يكون شخصًا يحاول التعبير عن وجهة نظره بناءً على تجاربه الشخصية أو مشاهداته. استخدام اللغة الفصحى أو أسلوب معين في الكتابة لا يعني أن الكاتب يضع نفسه في مكانة أعلى، بل هو اختيار يعكس شخصيته وأسلوبه في التعبير.
كيف نحمي النقاش من الانزلاق؟
- التركيز على الفكرة، لا الشخص: عندما نناقش موضوعًا ما، يجب أن نوجه انتقاداتنا أو ملاحظاتنا نحو الفكرة نفسها، لا نحو الشخص الذي طرحها.
- افتراض النية الحسنة: لنفترض دائمًا أن الهدف من الطرح هو فتح الحوار، لا الإهانة أو التقليل من قيمة أحد.
- قبول الاختلاف: ليس من الضروري أن نتفق جميعًا على كل شيء. الاختلاف هو طبيعة إنسانية، ويمكن أن يكون وسيلة للتعلم والتطور إذا أدرناه بشكل صحيح.
- الاعتراف بالخطأ عند الحاجة: إذا شعرنا بأننا قد أفرطنا في الدفاع عن رأينا أو أسأنا فهم شخص ما، الاعتذار والعودة للنقاش بشكل هادئ هو دليل على النضج.
في الختام
النقاش الفكري هو أساس تطور المجتمعات، لكنه يصبح مثمرًا فقط عندما نتعامل معه كمساحة للحوار، لا ساحة للمعارك. الاحترام المتبادل هو القاعدة الذهبية التي تحمي أي نقاش من الانزلاق إلى الشخصنة أو التجريح. فلنحاول دائمًا أن نستمع أكثر مما نتحدث، وأن نحاور بعقلانية وهدوء، لأن الهدف الحقيقي ليس الفوز بالنقاش، بل فهم بعضنا البعض وبناء جسور تواصل جديدة.
