استيقظ البشر ذات صباح ليجدوا أن الأرض قررت الاستقالة من شكلها الكروي واعتنقت المسطّح. ربما ملّت من دورانها الأبدي، أو أنها أرادت فقط أن تفاجئ الجميع. المهم، أصبحت الأرض مسطحة… ومليئة بالزوايا الحادة.
لم يكترث أحد لسبب هذا التحول، فالبشر كعادتهم كانوا مشغولين بالأهم: كيف نستغل الحافة الجديدة؟
بدأت شركات السياحة في تسويق رحلات “حافة العالم”. إعلانات ضخمة تقول: “التقط صورة وأنت تتحدى الفراغ!”. وصل الناس أفواجًا، يحملون عصي السيلفي وقلوبًا مليئة بالطموح (أو الفراغ، لا فرق). كانت الحافة أشبه بمهرجان عبثي، حيث يمكنك أن ترى شخصًا يلقي بنفسه في الفراغ من أجل “التريند”، وآخر يبيع “أناشيد الحافة” على كاسيتات مهترئة.
في وسط هذه الفوضى، جلس فيلسوف حديث التخرج على كرسي قابل للطيّ، وهو يصرخ في الحشود:
“الحافة ليست نهاية العالم، بل بدايته!”
أوقفه أحدهم ليسأله: “معذرة، بس لو سمحت، ممكن تصورني؟”
الأطفال؟ قرروا الاستفادة من الوضع أيضًا. بدأوا بتصنيع طائرات ورقية صغيرة وإطلاقها نحو الفراغ في سباق “من ستختفي طائرته أولًا؟”. بينما أمهاتهم يقفن على الحافة، يلتقطن صورًا بأسنان مشرقة وهشتاغ: #على_الحد.
أما العلماء؟ كانوا على أطراف المشهد، يتجادلون حول أمور تافهة مثل:
“هل إذا وقعت تفاحة هنا، تسقط لأسفل أم تعود من الجانب الآخر؟”
لكنهم لم يُسمعوا، لأن مؤثرًا قريبًا كان يصيح: “اشتركوا في قناتي قبل ما أقفز!”
وفي الزاوية الأكثر عبثًا، وقف طفل صغير يحمل نظرة استغراب بريئة، يسأل والدته:
“ماما، ليش كل الناس خايفين من الحافة؟ يمكن في مكان أحلى بعد الفراغ!”
نظرت إليه وقالت:
“اخرس وخلينا نكمل السيلفي قبل ما يغيب النور.”
وفي حين كان الجميع منشغلين بالسخرية من الحافة أو السقوط منها، حدث ما لم يكن في الحسبان… بدأت الأرض تفقد المزيد من أطرافها. الحافة نفسها بدأت بالتقلص شيئًا فشيئًا، حتى انتهى الأمر بالناس يتدافعون ليس للتصوير، بل للهروب. لكن للأسف، لم يبقَ أحد ليلتقط سيلفي النهاية.
