استيقظ سكان البلدة الساحلية الصغيرة على شيء لم يحدث من قبل. في صباح يوم عادي، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو غريبة جدًا: فيل ضخم يغوص بمهارة في أعماق المحيط، بينما قرش يجوب شوارع البلدة بهدوء وكأنه كلب أليف.
بدأت القصة عندما نشر أحد المؤثرين فيديو للفيل وهو يسبح في أعماق غير مسبوقة، مرفقًا بموسيقى حماسية وهاشتاغ #الفيل_الغواص. في غضون ساعات، انتشر الفيديو كالنار في الهشيم، وحقق ملايين المشاهدات. أما فيديو القرش، فقد أظهره يتجول بين الأزقة، يقترب من البيوت وكأنه يستمتع بجولة مسائية. أحد المؤثرين علّق عليه قائلاً:
“القرش في الحارة؟ الطبيعة تتطور… تابعونا للمزيد من العجائب!”
تحولت الظاهرة إلى حديث الساعة. انتشرت آلاف الفيديوهات الساخرة والتحديات، مثل “تحدي الفيل الغواص” و*”رقصة القرش في الحي”*. البعض بدأ يروّج نظريات مؤامرة تدّعي أن “الفيل والقرش هما رسولا الطبيعة لإعادة التوازن إلى الأرض.”
ظهر متحدث رسمي باسم القيادة في بث مباشر عبر كل المنصات، مرتديًا بدلة أنيقة ونظرة واثقة:
“أيها المواطنون الأعزاء، نرجو منكم الحفاظ على هدوئكم. الفيل الذي شوهد في المحيط ليس فيلًا عاديًا، بل هو جزء من مشروع وطني سري للتكيف مع تغير المناخ. أما القرش الذي يتجول في الأحياء، فهو زائر ودود أرسلته الطبيعة لنشر السلام بين الإنسان والكائنات البحرية. نرجو التعاون مع السلطات لضمان نجاح هذا المشروع.”
بدأ الناس يتبنون رواية القيادة بحماس.
- “مشروع وطني؟ نحن في الطليعة دائمًا!”، قال أحدهم بفخر.
- “إذا كان هذا سيساعد الكوكب، فلنساهم جميعًا!” علق آخر.
تحول الفيل والقرش إلى رمزين وطنيين.
- الفيل: أصبح بطلًا قوميًّا. بدأت المدارس بتدريس “قصة الفيل الغواص” كجزء من المناهج، وظهرت أقنعة غوص بلاستيكية للأطفال، أُطلق عليها “القناع الفيلاني”.
- القرش: صار أيقونة للسلام. أُقيمت حملات بعنوان “السلام مع الطبيعة يبدأ من القرش”. ونُظّم مهرجان كبير في البلدة احتفاءً بزيارته.
وسط هذا الهوس الجماعي، كان هناك رجل بسيط يُدعى سعيد، معروف بلسانه اللاذع وآرائه الصادمة. جلس في المقهى وقال بصوت مرتفع:
“يا ناس، هل فقدتم عقولكم؟ كيف يمكن لفيل أن يغوص وقرش أن يتجول بين الأزقة؟ هذا هراء!”
لكن أحد الحاضرين رد عليه بازدراء:
“سعيد، توقف عن نشر السلبية. إذا قالت القيادة ذلك، فهو صحيح!”
حاول سعيد أن يُفضح الأمر عبر منشور على فيسبوك:
“أيها الحمقى، الفيل لا يغوص والقرش لا يعيش في البر. كل هذا لعبة سخيفة!”
لكن منشوره لم يحصد سوى تعليق ساخر:
“يا سعيد، أنت قديم جدًا لتفهم كيف يتغير العالم.”
وفي يوم من الأيام، اختفى الفيل والقرش فجأة. لم يُعثر عليهما لا في المحيط ولا في الأحياء. أصدرت القيادة بيانًا جديدًا:
“نعلن بفخر انتهاء مهمة الفيل والقرش بنجاح! لقد عادا إلى قواعدهما السرية لمواصلة العمل من أجل الوطن.”
على وسائل التواصل، انتشر فيديو وداعي أعده أحد المؤثرين، يظهر فيه الفيل والقرش مع موسيقى مؤثرة وكلمات:
“إلى اللقاء أيها الأبطال… لن ننساكم أبدًا.”
جلس سعيد وحده في المقهى، يشاهد الناس وهم يصفقون لفيديو الوداع، بينما تنهال عليهم التنبيهات بمزيد من الفيديوهات الغريبة. تنهد وقال بصوت منخفض:
“ربما أنا المجنون… أو ربما هذا العالم كله مجنون.”
ثم أشعل سيجارته، وواصلت شاشة تيك توك بث المزيد من الجنون، بينما غرقت البلدة أكثر فأكثر في وهمها الجميل.
