لوحة معدنية صدئة، مقاعد مهترئة، وظل شجرة جاف كأنما فقد الحياة، وسط بلدة يلفها الضباب من كل جانب. أصبح موقف الحافلات هذا رمزًا للانتظار الذي لا ينتهي. لا أحد يذكر متى بدأ الناس يتوافدون عليه، لكن الجميع يعرف السبب: كانوا ينتظرون الحافلة رقم 42.

“يقولون إنها تأخذنا إلى المدينة المثالية!” همست امرأة مسنّة ذات يوم. ومنذ تلك اللحظة، أصبحت الحافلة وعدًا غامضًا لا يمكن مقاومته.

مع مرور السنين، تحوّل الموقف إلى مجتمع صغير. نصبوا الخيام، أعدوا مواقد صغيرة، وبدأوا يتبادلون القصص عن تلك الوجهة المجهولة.

  • “في تلك المدينة، لا أحد يعمل. كل شيء يأتيك دون عناء!” قال أحد الرجال، وهو يدخن غليونه وكأنه يحاول استحضار الصورة.
  • “سمعت أن الشوارع مرصوفة بالذهب!” صاحت فتاة صغيرة، بعينين لامعتين.
  • “هناك، كل شيء كما تتمنى. لا ألم، ولا حزن، فقط فرح دائم.” أضاف شيخ كان يحدق في الأفق.

مرت الأيام، ثم الأشهر، ثم السنوات. كثيرون ولدوا في الموقف، وكثيرون ماتوا فيه. ورغم ذلك، لم يفكر أحد في الرحيل.

  • “ماذا لو جاءت الحافلة في اللحظة التي نغادر فيها؟” تساءل شاب وهو يربط حذاءه المهترئ.
  • “نعم، سيكون هذا خسارة فادحة!” ردت امرأة كانت تطرز قماشًا يحمل الرقم 42.

حتى أولئك الذين فكروا في المغادرة وجدوا أنفسهم محاصرين بسؤال بسيط: “ماذا لو كانت الشائعات صحيحة؟”

مع الوقت، بدأت تظهر أصوات مشككة.

  • “هل رآها أحد من قبل؟” سأل رجل أصلع كان يرتدي معطفًا مهترئًا.
  • “لا، لكن الجميع يعرفون عنها!” رد آخر بثقة غريبة.
  • “ومن قال إن الوجهة موجودة أصلاً؟”

الجميع صمتوا. السؤال كان أشبه بخيانة جماعية. في هذا المجتمع، الإيمان بوجود الحافلة لم يكن مجرد فكرة، بل كان المحرك الوحيد للحياة.

ذات ليلة غارقة في الضباب، ظهر في الأفق ضوء باهت. ومع اقترابه، تحول إلى حافلة صدئة، رقمها واضح: 42.
الركاب قفزوا فرحًا، واصطفوا للدخول. الحافلة كانت بالكاد تسير، صوت محركها أشبه بالأنين.

  • “إلى أين ستأخذنا؟” سأل أحدهم السائق، رجل عجوز بوجه غير مألوف.
  • “إلى وجهتكم.” قالها بابتسامة غامضة.

الحافلة امتلأت بسرعة. بعضهم صعد بحماس، والبعض الآخر بحذر. لكن قبل أن تتحرك، حدث شيء غريب:

  • “لماذا علي أن أترك مكاني هنا؟ لقد بنيت منزلاً!” صاحت امرأة.
  • “أنا أيضاً سعيد بما لدي. لماذا أذهب؟” قال شاب كان يجلس تحت شجرة.

بدأ الركاب يترددون، واحدًا تلو الآخر. في النهاية، أقلعت الحافلة من دون ركاب.

“الحافلة التي لا تصل” كانت دائمًا هناك. فقط لم يكن أحد مستعدًا للركوب فعلًا.

أضف تعليق