كان القانون بسيطًا: يتم تخصيص بطاقة نوم إلكترونية لكل مواطن، تُحدد فيها ساعات نومه اليومية بدقة. العاملون في المصانع يحصلون على 4 ساعات، الموظفون على 6 ساعات، أما أصحاب المناصب العليا والمستثمرون فكان نصيبهم 8 ساعات أو أكثر.

تم تجهيز المدن بأجهزة مراقبة النوم، صغيرة الحجم لكنها قادرة على قياس نشاط الدماغ والتأكد من أن الشخص نائم أو مستيقظ. إذا تجاوز المواطن ساعات النوم المسموحة، تصدر بطاقة النوم إنذارًا، يتبعه خصم ساعات من الأيام المقبلة. “النوم مسؤولية وطنية،” كانت الجملة المطبوعة على كل بطاقة.

في البداية، تقبل الناس الفكرة على مضض. الإعلام كان يبث حملات ترويجية عن أهمية “التنظيم العادل للنوم”، مع مشاهد لعائلات تبتسم وهي تتحدث عن استعادة التوازن بين العمل والراحة.

لكن الأمور لم تسر كما خططت لها الوزارة.

بدأت تظهر إشاعات عن وجود “تجار نوم”. كان الأغنياء يشترون ساعات نوم إضافية من الفقراء، الذين يضطرون للبقاء مستيقظين لساعات طويلة مقابل مبالغ زهيدة. في الأحياء الفقيرة، انتشرت “مقاهي الأرق”، أماكن يتجمع فيها المحرومون من النوم، يشربون القهوة ويقاومون النعاس.

كانت الساعات المشتراة تُنقل عبر بطاقات مزورة، صنعها مهندسون متمردون على النظام. أصبح النوم عملة جديدة. في السوق السوداء، كانت 3 ساعات نوم تُعادل راتب أسبوع لعامل.

بدأت الأعراض تظهر سريعًا. حوادث العمل تضاعفت. عامل سقط من منصة بناء بعد 72 ساعة بلا نوم، وتسبب الحادث في انهيار جزء من الحي الذي كان يُبنى للأثرياء.

في أحد الأيام، انهارت امرأة أثناء قيادة حافلة مدرسية، مما أدى إلى كارثة هزت الرأي العام. الأطفال الذين نجوا كانوا يروون قصصًا عن “عيونها المغمضة” التي لم تفتح رغم كل الصراخ.

أما الأغنياء، فقد استغلوا الوضع بمهارة. تنظيم حفلات “النوم الفاخر” أصبح صيحة جديدة. في أحد هذه الحفلات، كان الضيوف ينامون على أسرّة مغطاة بأغلى الأقمشة، بينما تُبث أصوات طبيعية مختارة بعناية لتحفيز النوم العميق.

في أعماق المدينة، بدأت حركة سرية تُسمى “حلم بلا قيود”. أعضاؤها كانوا يزرعون أجهزة تعطل أنظمة مراقبة النوم، ويسجلون رسائل فيديو تكشف الجانب القاتم من النظام.

ظهرت واحدة من هذه الرسائل على شاشات المدينة. امرأة عجوز، وجهها مغطى بالتجاعيد التي حفرتها ليالي الأرق، نظرت مباشرة إلى الكاميرا وقالت: “النوم ليس امتيازًا. إنه حق. وكيف يمكن لحق كهذا أن يُباع ويُشترى؟”

مع تصاعد التوتر، قررت الحكومة اتخاذ خطوات صارمة. أُرسلت فرق أمنية لتفتيش المنازل، ومصادرة ساعات نوم إضافية من المواطنين. لكن الفوضى خرجت عن السيطرة. اندلعت مظاهرات حاشدة في المدن الكبرى. رفع الناس شعارات مثل: “لا بطاقة لنومنا” و“دعونا نحلم بحرية”.

خلال أحد الاحتجاجات، اقتحم المتظاهرون مبنى وزارة النوم الوطنية، ليجدوا في الطابق السفلي مختبرًا ضخمًا. اكتشفوا أن الحكومة كانت تستخدم بيانات النوم لتطوير تقنية جديدة، تهدف إلى التحكم بالأحلام. الأحلام نفسها كانت تتحول إلى أداة للسيطرة.

سقط النظام، لكن العالم لم يعد كما كان. ظلت آثار النظام القديم تطارد الجميع. اعتاد الناس على فكرة بيع ساعات نومهم، حتى بعد انتهاء النظام. في الزوايا المظلمة من المدينة، كانت “مقاهي الأرق” تعمل كالمعتاد.

رأيان حول “بطاقة النوم الذكية: حرمان تحت السيطرة

أضف تعليق