في زاوية مظلمة من هذا الكون الغريب، ثمة مجتمع يعيش خلف المرآة. لا أحد يعرف كيف وصلوا إلى هناك، لكن الجميع يعرفون أنهم لن يخرجوا. هناك، كل شيء معكوس. الشمس تُشرق من الغرب وتغرب في الشرق، والمطر يهطل من الأرض إلى السماء، والزمن يسير إلى الخلف، حيث يصبح الشيوخ أطفالًا، والأطفال يعودون إلى أرحام أمهاتهم.
جلسوا في المقهى المعكوس، حيث الطاولات معلقة على السقف والكراسي تتدلى بسلاسل مثل الأرجوحات. فنجان القهوة يرتفع من الفم إلى الطاولة، بينما الدخان يعود إلى السيجارة.
- “أتعلم، يا أبا خليل؟” قال سالم، وهو يرتشف القهوة بعكس اتجاه الجاذبية.
- “ماذا هناك، يا سالم؟ لا تقل لي أنك تفكر في الثورة مرة أخرى؟” رد أبو خليل وهو يشد كرسيه المعلق.
- “الثورة؟ لا، يا صاحبي. فكرت أن أترك كل هذا العبث وأصبح مسؤولًا.”
- “مسؤول؟” ضحك أبو خليل حتى طار قبعته: “يا بني، في هذا العالم المسؤولون هم الأكثر عبثًا. تخيل أنهم يجمعون الضرائب لإعادة توزيع الفقر!”
في هذا العالم، الساعات تدور عكس عقاربها، والناس يستيقظون ليخلدوا إلى النوم، وينامون ليبدأوا يومهم.
- أم خليل: “سالم، هل أعددت العشاء؟”
- سالم: “عشاء؟ لا يا أمي، لقد قمت بتناوله للتو، وقريبًا سأطبخه.”
- أم خليل: “آه، صحيح. لا تنسَ أن تبدأ بالعظام، فاللحم سيعود إليها لاحقًا.”
كان هذا منطق العالم. كل شيء يُبنى ليُهدم لاحقًا، والأحلام تبدأ محطمة لتكتمل مع الزمن.
في الساحة الكبرى، وقف الزعيم يخطب أمام الناس، الذين كانوا يهتفون بصمت عميق. هنا، التصفيق يُسمع في القلوب، والكلام يُقال عبر نظرات حادة.
- الزعيم: “أعدكم أيها المواطنون، أنكم لن تروا أي تغيير! سأستمر في إخفاقي، وستستمرون في غضبكم الصامت، وهذه هي الديمقراطية التي نستحقها.”
صفق الجمهور بلا صوت، وهتفوا: “نريد المزيد من اللاشيء!”
الحب هنا يبدأ بالطلاق، حيث يتفق الزوجان على الانفصال قبل أن يبدآ علاقة مليئة بالمشكلات والغيرة.
- ليلى: “يا حسن، لقد قررت أن أطلقك.”
- حسن: “أخيرًا! متى تبدأ شهر العسل؟”
ثم تبدأ العلاقة بالانحدار، لكنهم ينتهون عشاقًا لا يفرقهم الموت، لأنهم يعرفون أنهم سيولدون من جديد ويعيشون القصة من البداية.
في هذا العالم المعكوس، لا أحد يموت. بل الجميع يولدون في قبورهم ويعيشون حياتهم حتى يختفوا داخل أرحام أمهاتهم.
وقف سالم أمام المرآة وقال:
- “كم هو جميل هذا العبث. أتساءل، هل نحن انعكاس للعالم الآخر؟ أم أن العالم الآخر هو انعكاس لنا؟”
ولم تجبه المرآة، لأنها في هذا العالم، لا تعكس الصور بل تحبسها.
