ذات مساء، وبينما كانت تجلس على حافة نهر مظلم، ظهر لها رجل غريب. كان يرتدي معطفًا أسود طويلًا يلمع تحت ضوء القمر، ووجهه مخفي في الظلال.

قال الرجل الغريب بصوت ناعم كصدى بعيد: “أنتِ تبحثين عن شيء، أليس كذلك؟”

رفعت المرأة رأسها بدهشة، ثم أومأت ببطء.

“يمكنني أن أعطيكِ كل ما تريدينه. المال، الشهرة، النفوذ… كل شيء.” توقف الغريب للحظة، ثم أضاف: “لكن في المقابل، أريد ظلكِ.”

ضحكت المرأة بارتباك. “ظلي؟ ما الذي ستفعله بشيء لا قيمة له؟”

ابتسم الغريب، وكانت ابتسامته كأنها شق في الظلام. “كل شيء له قيمة.”

بعد لحظة من التفكير، وافقت المرأة. ما أهمية الظل لشخص عاش حياته كلها دون أن يلاحظه أحد؟ وقعت العقد، وفجأة شعرت بشيء ينفصل عنها. التفتت خلفها، ولم تجد ظلها.

عادت إلى المدينة، ولم يمضِ وقت طويل قبل أن تبدأ أحلامها تتحقق. أصبحت ثرية، مشهورة، ومحبوبة. الناس يتجمهرون حولها، يصفقون لها في الشوارع. لكن شيئًا بدا ناقصًا.

كان غياب ظلها في البداية أمرًا طريفًا. أصدقاؤها سخروا منها، لكنها ضحكت معهم. مع مرور الوقت، بدأت نظرات الناس تتغير. الأطفال كانوا يهربون عند مرورها، والغرباء يهمسون من خلف ظهرها.

أصبحت تشعر أنها مراقبة. ليس من الناس، بل من نفسها. في الليل، كانت تسمع صوتًا داخليًا، همسات تتسرب من أركان غرفتها: “أين أنا؟ لماذا تركتني؟”

بدأت الكوابيس تتسلل إلى نومها. رأت ظلها في الأحلام، يقف بعيدًا وينظر إليها بعينين مظلمتين. كان الظل يتحدث بصوت يشبه صوتها، لكنه أعمق وأكثر قسوة: “بعتني. بعتِ نفسكِ.”

قررت المرأة أن تواجه الرجل الغريب. بعد أشهر من البحث، وجدته في زقاق مهجور.

“أريد ظلي،” قالت.

“لكن لديكِ كل ما أردته،” رد الغريب ببرود.

“كل ما أردته لا يعني شيئًا بدون نفسي.”

ضحك الغريب، ثم أشار إلى قلبها. “ظلكِ لم يكن مجرد انعكاس لجسدكِ. كان جزءًا منكِ. بدون ظلكِ، لن تجدي ذاتكِ.”

عادت المرأة إلى النهر حيث بدأ كل شيء. جلست تحت ضوء القمر، لكنها لم ترَ أي انعكاس لنفسها. شعرت بالخفة، كأنها لم تعد موجودة.

تحدثت إلى الظلام: “من أنا الآن؟”

جاءها الجواب من داخلها: “أنتِ ما تختارين أن تكونيه.”

في تلك اللحظة، أدركت المرأة أن الظل كان رمزًا لوجودها، لمسؤولياتها، لجروحها وخطاياها. لقد تخلت عن كل ذلك لتحصل على حياة بلا عبء، لكنها أدركت متأخرة أن العبء هو ما يجعل الحياة حقيقية.

أضف تعليق