يُقال إن الأسماء عناوين، وإن الكلمات تحمل معاني خفية تكشف ما في القلوب. لكن في سوريا، حيث كان “الأسد” يُشبه الخبز اليومي في كل مكان، أصبحت التسمية أداة من أدوات العبث بالمصطلحات. من ملعب الأسد إلى حديقة الأسد، مروراً بـمشفى الأسد وجامعة الأسد، بل حتى محطات البنزين التي كان ينقصها أن تُسمى مضخة الأسد. ومع ذلك، بقي قصر الأسد الوحيد الذي لم يسمَّ باسمه الحقيقي، بل كان يُطلق عليه “قصر الشعب”، وكأن الشعب هو من يقيم فيه بكل طمأنينة ويملأ أرجاءه بالأمل.

قصر الشعب… ملك الأسد!

المفارقة التي تجعل أي ساخر محترف يشعر بأنه فقد وظيفته هي أن هذا القصر، الذي سُمِّي بـ”قصر الشعب”، لم يكن يومًا للشعب، بل كان رمزًا لسيطرة الأسد وعائلته على كل ما يُرى بالعين المجردة. كان الشعب يتسكع على أرصفة المدن المهترئة، بينما يراقب القصر من بعيد وكأنه مشهد من فيلم خيال علمي. كيف أصبح قصر الشعب رمزًا لغياب الشعب؟ سؤال يحتاج إلى عالم اجتماع مع حس فكاهي ليفسره.

انهيار التماثيل… وضياع الحلم

اليوم، انقلبت الأمور رأسًا على عقب. لم يعد هناك تماثيل تمجِّد الأسد الأب والابن، ولم تعد الحديقة التي كانت تحمل اسمه تُزهر. حتى الملعب الذي كان يحمل اسمه بالكاد يمكن تسميته “ملعبًا” بعد أن تحول إلى ساحة صامتة للشظايا. الشعب الذي كان ممنوعًا من دخول “قصر الشعب”، بات يحلم أن يُصبح القصر يومًا ما حقًا ملكًا له.

لكن المفارقة الأشد إيلامًا وسخرية هي أن القصر، برمزيته، أصبح رمزًا لحلم مجهض. حلمنا اليوم بسيط للغاية: أن يصبح قصر الشعب حقيقة، قصرًا للشعب وليس لأسد جديد يتقمص نفس الدور.

الأسد… الاسم الذي أكل كل شيء

من الغريب أن كل ما كان يُكنى بـ”الأسد” أصبح اليوم رمادًا في الريح. وكأن القدر قرر أن يُعيد للشعب ذاكرته الحقيقية: أن الأسد لم يكن سوى رمز فارغ يبتلع كل شيء باسمه، من المدارس إلى المستشفيات، وحتى آمال الناس. الآن، يُمسَح هذا الاسم من كل مكان كما يُمسَح الغبار عن نوافذ مُهملة، لكن السؤال الأكبر يبقى: هل سيتوقف هذا الشعب عن السماح لأسد آخر أن يحتل القصر؟

“قصر الشعب”… هل يصبح اسمًا على مسمى؟

في النهاية، يبدو أن سوريا تعيد كتابة قصتها، لكنها تحتاج إلى قلم جديد، قلم حرّ وشجاع، لا يكتب أسماء قادته على جدران المدارس أو تماثيل الحدائق، بل يترك المساحات فارغة لأحلام الشعب. حلمنا الآن ليس مجرد إزالة اسم الأسد من القصر أو سواه، بل أن تُزال الفكرة نفسها: فكرة أن القصور ملك للحكام والشعب ملك للأرصفة.

فهل يأتي يوم يُفتح فيه “قصر الشعب” ليصبح اسمًا على مسمى؟ أم أن الأسد سيبقى على قيد الحلم، ولو تغيرت الأقنعة؟

أضف تعليق