في كل ليلة، كان الناس يجتمعون أمام شاشات التلفاز لمشاهدة نشرة الأخبار الرسمية. المذيع يتحدث بنبرة واثقة، وابتسامته تشع وكأنه رسول الخلاص:
“قواتنا الباسلة تواصل تقدمها العظيم، ساحقةً العدو، مدمرةً أوكاره، ورافعًا راية النصر على كل الجبهات!”

في الخلفية، تُعرض مشاهد لقوافل عسكرية تتحرك بثبات في الصحراء، وجنود يلوحون بعلامة النصر، ودبابات تقصف أهدافًا مجهولة. التصفيق يعم الأستوديو، ويتخلله صوت المذيع يصرخ: “النصر قريب، والعظمة لنا وحدنا!”

في مكان بعيد عن أضواء الكاميرات، أحد الجنود في الخطوط الأمامية، يختبئ في حفرة ضيقة وسط الصحراء. الجوع يأكل أحشاءه، والعطش يحول حلقه إلى ورق جاف. لا ذخيرة كافية، ولا خطة واضحة، ولا حتى أمل.


“قالوا إننا نتقدم!” همس لصديقه، الذي كان يهز رأسه بلا مبالاة:
“نتقدم؟ بالكاد نحافظ على أرواحنا. كل يوم نُترك وحدنا هنا. قالوا إن الإمدادات ستأتي… لكنها لم تصل منذ أسابيع.”

بينما كانوا يتحدثون، سمعوا صوت دوي قذيفة قريبة. “اركض!” صرخ الأول. كانت الفوضى هي سيد الموقف؛ الجنود يهربون في كل اتجاه، لا يعرفون من أين يأتي الخطر ولا أين الملاذ.

على الجانب الآخر من الجبهة، كان فريق الإعلام الرسمي يعمل بجد، لكن ليس لتغطية ما يحدث فعلاً. بدلًا من ذلك، كانوا يعيدون استخدام مشاهد قديمة من أرشيف النظام. الدبابات التي ظهرت في النشرات الإخبارية قد خرجت من الخدمة منذ سنوات، والجنود الذين ظهروا يهتفون بالنصر كانوا الآن إما قتلى أو فارين.

“أين نحن؟” سأل أحد المصورين زميله بينما كانا ينقلان كاميراتهم بعيدًا عن ساحة المعركة.
“نحن في استوديو النصر، يا صديقي!” أجابه الآخر.

بعد أسابيع من الفرار، وصل الشابان إلى قرية مهجورة. جلسا حول نار صغيرة، يحاولان التدفئة بعد أيام من الجوع والخوف. بدأ الجنود الآخرون بالحديث عن تجاربهم:

  • “هل سمعتم عن خالد؟ مات لأنه حاول جلب الماء من بئر مهجور.”
  • “وأحمد؟ فقد ساقه في انفجار، ولم يأتِ أحد لمساعدته.”
  • “أما أنا، فقد رأيت قائدنا يهرب بسيارته الفاخرة، تاركًا الجميع خلفه.”

عاد أحد الشباب إلى قريته بعد أشهر من الجحيم. جلس مع أسرته، يشاهد النشرة الإخبارية. ظهر المذيع نفسه، بنفس النبرة الواثقة:
“قواتنا الباسلة تواصل تحقيق الانتصارات الكبرى! لقد سحقنا العدو!”

ضحك ، وأطفأ التلفاز. “يا لهم من سحرة. لقد حولوا هروبنا إلى زحف عظيم.”

وفي الخلفية، كان صوت المذيع مستمرًا، يعلن عن انتصار آخر… دون أن يعلم أن الحقيقة كانت مدفونة في الرمال، مع الجنود الذين لم يعودوا أبدًا.

أضف تعليق