الوضع في سوريا اليوم لا يمكن وصفه إلا بـ”الخبيصة”؛ خليط من الأمل بالخلاص والخوف من القادم المجهول. الشعب، بعد أكثر من عقد من الحرب والدمار، يجد نفسه محاصرًا بين نظام قمعي لا يتوانى عن استخدام كل أدوات البطش، وبين بعض الفصائل الإسلامية المتطرفة التي قد تجعل فكرة الخلاص منها كفكرة الخلاص من النظام نفسه.
“مبسوط وخايف”: حالة نفسية جماعية
السوريون يعيشون حالة مزدوجة من الفرح والخوف. الفرح بأي خطوة تُضعف النظام أو تفتح نافذة للتغيير، والخوف من الفصائل المسلحة، فبعضها يحمل أجندات لا تتماشى مع تطلعات الشعب السوري لحياة حرة وديمقراطية. لكن، حين يكون البديل هو الأسد، يصبح الخيار بالنسبة للبعض مثل التحالف مع أياً كان لإسقاط الشيطان الأكبر.
قبول الآخر: المفتاح المفقود
ما ينقص سوريا اليوم ليس فقط الخلاص من النظام الحالي، بل إيجاد صيغة تعكس تنوعها وتضمن قبول الآخر. سوريا ليست مجرد خطوط طائفية أو عرقية، بل هي فسيفساء ثقافية واجتماعية تحتاج إلى إطار سياسي يُعلي من قيمة المواطنة والحرية.
قبول الآخر لا يعني فقط قبول المختلف دينياً أو عرقياً، بل أيضاً قبول من يختلف سياسياً. هذا المفهوم غائب تماماً في صراعات اليوم، حيث تسود عقلية “من ليس معي فهو عدوي”.
التطرف ليس حلاً
لا يمكن بناء سوريا المستقبل على التطرف، سواء كان تطرفاً دينياً أو تطرفاً قومياً أو علمانياً يرفض الآخر. أي حل يهمش جزءاً من الشعب أو يقصي مكوناته سيؤدي إلى إعادة إنتاج الدمار والصراعات.
“الخبيصة” كفرصة؟
قد تبدو الفوضى الحالية كارثية، لكنها ربما تحمل فرصة لإعادة التفكير في أساسيات بناء الدولة السورية. على الجميع أن يدرك أن الحل الحقيقي يبدأ بإيجاد قواسم مشتركة: دولة قانون، حقوق متساوية، وديمقراطية.
التحالف مع الشيطان؟
من الطبيعي أن يبحث الشعب السوري عن أي مخرج من المأساة الحالية، حتى لو كان عبر تحالفات مع جهات غير مرغوب فيها. لكن هذا الحل لا يمكن أن يكون استراتيجياً. يجب أن يكون هدف التحالفات المؤقتة هو الوصول إلى مرحلة يتاح فيها للسوريين تقرير مصيرهم بحرية، بعيداً عن سيطرة أي طرف خارجي أو داخلي مسلح.
الحل بين يدي الشعب
في النهاية، الحل لن يأتي من النظام، ولا من الفصائل المسلحة، ولا من القوى الإقليمية أو الدولية. الحل يبدأ حين يقرر السوريون، بمختلف انتماءاتهم، أن يقبلوا بعضهم البعض ويؤمنوا أن لا منتصر في الحرب، وأن سوريا الخاسرة الأكبر.
ما تحتاجه سوريا اليوم ليس فقط سقوط الأسد، بل ولادة فكر جديد يضع الإنسان السوري في المقدمة، بعيداً عن المصالح الضيقة والخلافات العقيمة. سوريا بحاجة إلى سلام حقيقي، لا سلامًا مسلحًا.
