في فجر يوم رمادي، حين كانت السماء رمادية كوجوه الجنود الذين يقفون على أطراف المدينة، انتشرت شائعة غريبة بين صفوف جنود النظام الحاكم: “المدينة استيقظت!”. لم يعرف أحد كيف بدأت الشائعة، لكن صوتها كان كافياً لتشعل الرعب في القلوب التي لا تعرف إلا القمع.

داخل غرفة القيادة، وقف الجنرال “أبو قذيفة” شامخاً، أو هكذا أراد أن يبدو، وهو يصرخ بصوته الأجش: “إلى أين تفرّون أيها الجبناء؟! المعارضة لم تدخل حتى الآن!”

لكن الجنود لم يسمعوا صوته، كانوا منشغلين بتعبئة حقائبهم بأشياء لا تبدو مهمة: علب السجائر، كتب ممزقة، وحتى أواني الطبخ. كان كل شيء يشير إلى فوضى عارمة.
صرخ أحد الجنود وهو يركض حاملاً بندقية بلا ذخيرة: “سيدي، المشكلة ليست المعارضة… إنها المدينة! إنها تطاردنا!”

كل شيء بدأ عندما حاولت إحدى الدبابات عبور أحد الشوارع الرئيسية. فجأة، توقفت عن الحركة دون أي سبب ظاهر. هرع السائق لتفقد الأمر، لكن ما إن فتح الغطاء حتى اختفت الدبابة بالكامل، وكأن الأرض قد ابتلعتها. وقف الجنود في صدمة، يحدقون في الحفرة السوداء التي تركتها وراءها، حتى همست الرياح بصوت خافت: “لقد رأيناكم.”

ازداد الرعب عندما بدأ أحد الجنود بالصراخ بشكل هستيري: “الجدران تتحرك! لقد رأيتُ المباني تقترب منا!”
لم يأخذه أحد على محمل الجد في البداية، لكن كل شيء تغيّر عندما بدأت إحدى الجدران القديمة بالانحناء ببطء، وكأنها تمد يدًا من الطوب نحو الجنود.

في أقل من ساعة، تحولت المدينة إلى مشهد من العبث. الجنود يركضون في كل اتجاه، بعضهم بلا أحذية، وآخرون يجرّون صناديق ذخيرة لا يعرفون ماذا سيفعلون بها.

الجندي “أبو النكد”، الذي كان يحمل حقيبة مليئة بالشاي بدلاً من القنابل، صرخ وهو يركض: “لا تنظروا خلفكم! المدينة لا تريدنا هنا!”

في أحد الأزقة، كان أحد الضباط يحاول تجميع مجموعة صغيرة من الجنود قائلاً:
“توقفوا عن الهرب! إنها مجرد شائعات سخيفة.” لكن قبل أن يكمل جملته، انهار سقف المبنى فوقه، وظهرت كلمات محفورة على الجدار المجاور: “هذه أرضنا.”

داخل غرفة القيادة، جلس الجنرال “أبو قذيفة” يتصبب عرقاً، ممسكاً بهاتفه المرتجف وهو يحاول الاتصال بالقيادة العليا. جاء الصوت من الطرف الآخر هادئاً بشكل غريب: “لا تقلق، الجنرال. امنع جنودك من الهرب.”
“سيدي، نحن… نحن نخسر السيطرة. المدينة نفسها تهاجمنا!”
“المدينة؟! يبدو أنك بحاجة إلى راحة.”
انقطع الاتصال فجأة، وحين نظر الجنرال إلى الهاتف، وجد الشاشة قد أصبحت سوداء بالكامل، وعليها عبارة مضيئة: “لقد رأيناك.”

مع حلول الظهيرة، كانت الطرق المؤدية إلى خارج المدينة تعج بالهاربين من جنود النظام الحاكم. سيارات عسكرية تركت خلفها، جنود يحملون كل ما استطاعوا، وحتى بعضهم كان يركض حافي القدمين. لم يكن أحد يهتم إلى أين يذهب، طالما أنه بعيد عن المدينة التي استيقظت.

في محاولة أخيرة لاستعادة السيطرة، ظهر أحد الجنود وهو يمسك بمكبر صوت ويصرخ: “أيها الجنود، لا تخافوا! إنها مجرد حرب نفسية!”
لكن كلماته ذهبت أدراج الرياح، حيث كان أغلب زملائه قد وصلوا إلى أماكن بعيدة، يحاولون إقناع أنفسهم بأنهم كانوا ضحية “قوى خارقة”.
عادت المدينة إلى صمتها المهيب، وكأنها تراقب العالم من خلف أنقاضها. لا أحد يعرف ماذا حدث فعلاً داخلها، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب.

أما الجنود، فقد بقوا يروون قصصهم، كل واحد منهم يضيف تفاصيل أكثر غرابة إلى الحكاية. أحدهم أقسم أن المدينة أرسلت له رسالة على هاتفه تقول: “هذه ليست أرضك.” وآخر ادعى أنه رأى شجرة تنحني لتمنعه من الهرب.

لكن الحقيقة الوحيدة التي لم يختلفوا عليها كانت: “تلك المدينة… لا تغفر.”

أضف تعليق