رؤية السراج: الرواية كصرخة ضد القمع

تُعتبر “الوشم” واحدة من أبرز الروايات التي تناولت وحشية النظام السوري ضد المعتقلين، وخاصة النساء. تنقل الكاتبة منهل السراج عبر بطلتها، لولا الآغا، قصص التعذيب، الاغتصاب، والانتهاكات التي تعرضت لها المعتقلات، مع إسقاط الضوء على الصمت الاجتماعي الذي يضاعف من معاناتهن.

الرواية ليست مجرد سرد لوقائع مرعبة، بل هي محاولة لتمزيق الحجاب الاجتماعي الذي يغطي على هذه الجرائم. تستخدم السراج الرواية كأداة للتوثيق وكوسيلة فنية لإيصال أصوات النساء المنتهكات، ولإظهار التحدي والصمود الذي ينبع من أعماق الألم.


الوشم كرمز: التأكيد على الذات

يرمز “الوشم” في الرواية إلى الإصرار على بقاء الذات رغم محاولات محوها. من خلال السرد العميق لتجارب البطلة، التي تتحول من ضحية إلى امرأة واعية بذاتها وحقوقها، تسلط الرواية الضوء على رحلة تطور الشخصية وسط الألم. تبدأ لولا كامرأة مقهورة، ثم تتحول تدريجيًا إلى صوتٍ يطالب بالعدالة، وشاهدة على جرائم ضد الإنسانية.


لغة الرواية وبناؤها

كتبت الرواية بأسلوب بسيط ولكنه عميق، معتمدًا على ضمير المتكلم الذي يجعل القارئ ينخرط مباشرة في تجربة البطلة. لا تحتوي الرواية على تقسيمات فصول تقليدية، بل تستخدم فواصل صغيرة تحمل النمط السردي المتدفق، مما يعزز من انسيابية الأحداث وشدة تأثيرها.

تتنقل الرواية بين ثلاثة أزمنة في حياة البطلة: طفولتها في حلب، فترة اعتقالها، وحياتها بعد اللجوء إلى فرنسا. هذه الانتقالات الزمنية تُبرز التغيرات التي مرت بها الشخصية، وتجعل القارئ يعيش معها تفاصيل تجربتها القاسية.


قضايا الرواية: صرخة نسوية وإنسانية

الرواية تتناول عدة قضايا مترابطة:

  1. معاناة المعتقلات:
    تستعرض الرواية بجرأة واقع التعذيب الوحشي والاغتصاب الذي تعرضت له النساء في المعتقلات السورية، كوسيلة لتدمير الأرواح قبل الأجساد.
  2. الظلم الاجتماعي:
    لا تكتفي السراج بفضح النظام السوري، بل تسلط الضوء على التقاليد الاجتماعية الظالمة، مثل الزواج المبكر، والتمييز ضد النساء داخل العائلة والمجتمع.
  3. النضال من أجل الحرية:
    تربط الرواية بين معاناة البطلة الشخصية والنضال الجمعي للشعب السوري من أجل الكرامة والعدالة، وتوضح كيف تحولت الثورة من صرخة سلمية إلى مأساة إنسانية.

الرسالة الأهم: “كي لا ننسى”

من خلال “الوشم”، تؤكد السراج على ضرورة التوثيق الأدبي للجرائم والانتهاكات التي تعرض لها السوريون، خصوصًا في المعتقلات. الرواية تندرج تحت شعار “كي لا ننسى”، حيث تدعو القارئ إلى مواجهة الحقائق المروعة، ليس فقط لإدانة النظام السوري، بل لإحياء فكرة العدالة ومنع تكرار هذه الجرائم.


الخاتمة: شهادة أدبية حية

رواية “الوشم” ليست فقط عملًا أدبيًا، بل هي شهادة حية على معاناة النساء السوريات في ظل القمع السياسي والاجتماعي. منهل السراج تستخدم الأدب كوسيلة للبوح، التوثيق، والتحدي. الرواية تقف كشاهد على جرائم نظام بشار الأسد، وتقدم في الوقت نفسه نافذة أمل على قدرة الإنسان على الصمود والتحرر، رغم كل محاولات سحق الذات.

“الوشم” تترك القارئ مع سؤال مؤرق: هل يمكن أن تستمر الإنسانية في تجاهل معاناة الشعب السوري؟


المؤلّفة: منهل السرّاج، كاتبة وروائية سوريّة مقيمة في ستوكهولم منذ 2006. تخرّجت في كلّية الهندسة في جامعة حلب سنة 1988. نشرت عدّة أعمال روائية وقصصيّة منها: “تخطّي الجسر”، “كما ينبغي لنهر”، “جورة حوا”، “على صدري”، “عصيّ الدم”، “صراح”، “الوشم”، “لا تذرني فرداً”.  


منهل السراج: «الوشم» 

دار موزاييك للدراسات والنشر

اسطنبول، 2022

246 صفحة.

أضف تعليق