صراع السيالات العصبية داخل عقل يوسف كان شديدًا رغم مظهره الخارجي الهادئ. في زاوية هادئة من ذهنه، بدأت الأفكار المتناقضة تتدافع، كل منها تحاول فرض هيمنتها، وكأنها الحل النهائي. يوسف كان يسير في الشارع كأي يوم آخر، حين لمح حزمة نقود ملقاة على الأرض. لوهلة، توقفت خطواته، وحدق في الحزمة، فجأة أصبح العالم حوله صامتًا تمامًا. الشارع الذي كان يعج بالحركة بدا وكأنه تجمد. عندها، بدأت المعركة داخل رأسه. السيالات العصبية استيقظت، متحفزة، منطلقة من كل زاوية في دماغه، محملة بأفكار وأوامر متضاربة.

تبدأ أولى السيالات العصبية بالتحرك من الجزء المسؤول عن القرارات السريعة: “التقط المال الآن، بسرعة! قبل أن يلاحظه أحد!”، اليد تتحرك تلقائيًا نحو الأرض، تستعد لالتقاط الحزمة. “لماذا تتردد؟ إنها فرصة لن تتكرر!”، لكن فجأة، تأتي سيالة عصبية أخرى معارضة: “انتظر! ماذا تفعل؟ هل أنت لص؟ هذه النقود ليست لك. اتركها في مكانها!”، اليد تتوقف فجأة وكأنها تلقت صدمة، وتتراجع للخلف.

القلب يبدأ بالخفقان أسرع، وسيالة ثالثة محملة بالشك ترسل إشارة إلى القدمين: “إذا التقطت النقود وأخذتها إلى المخفر، هل تظن أن الشرطة ستصدقك؟ لا، سيجدون طريقة لاتهامك بسرقتها. تعرف جيدًا كيف يتصرفون في هذا البلد، تلفيق التهم هو لعبتهم!”، القدم تتقدم، مستعدة للمغادرة، لكن يوسف يتوقف مرة أخرى. تأتي سيالة عصبية أخرى، هذه المرة محملة بالطمع: “ماذا لو احتفظت بها؟ من سيعرف؟ هذه الحزمة قد تغير حياتك، والجميع يفعل ذلك. المال على الأرض وكأنه ينتظرك. لماذا تدعه لشخص آخر؟”، اليد تتحرك مرة أخرى نحو الحزمة، ولكن قبل أن تصل…

ترسل السيالات العصبية المتبقية إشاراتها في كل الاتجاهات، محذرة: “ولكن، هذه سرقة بشكل غير مباشر. المال ليس لك. ماذا لو كان لشخص بحاجة ماسة إليه؟ ربما جمعه شخص فقير للعلاج، أو لسداد ديونه. هل ستتحمل هذا العبء الأخلاقي؟”، اليد تتجمد في مكانها، ويرتجف جسد يوسف. هل هو حقًا مستعد لتحمل هذا العبء؟

الخوف من العقاب يأتي محملاً بسيالة عصبية أخرى: “ماذا لو شاهدك أحدهم؟ ماذا لو كانت هناك كاميرا مراقبة تسجل كل شيء؟ ستنتهي في السجن بتهمة السرقة. تعرف جيدًا كيف ينتهي الأمر هنا”، القلب يتسارع، والسيالة تأمر القدمين بالابتعاد، لكن يوسف لا يتحرك، وكأنه محاصر بين خيارين.

“ماذا لو أخذت النقود وذهبت إلى المخفر؟”، تعود السيالة مليئة بالشك: “لكن تذكر، المخفر مليء بالقصص عن تلفيق التهم والابتزاز. إذا سلمت النقود، سيقولون إنك سرقتها. هل تريد حقًا الدخول في هذا المأزق؟”، تتحرك اليد ببطء للخلف، والرجل يشعر بأن الأفكار تغمره من كل جانب.

سيالة تحاول تخفيف العبء عنه تنقل أفكاراً جديدة: “اتركها مكانها. ليست مشكلتك. لست أنت من أضاع المال، فلماذا تكون من يتحمل هذا القرار؟”، يأخذ يوسف خطوة أخرى ليبتعد، لكنه يشعر بشيء يسحبه نحو الحزمة مرة أخرى. الفكرة بأن المال بمتناوله تشده بقوة.

بينما يقف يوسف متجمدًا، غارقًا في صراعه الداخلي، تمر امرأة بهدوء. دون تردد أو تفكير، تنحني، تلتقط الحزمة، تضعها في حقيبتها، وتواصل سيرها وكأن شيئًا لم يحدث. ينظر إليها يوسف غير مصدق، يتسع فمه، ثم تنفجر منه ضحكة هستيرية، ضحكة تمزج بين الدهشة والارتباك.

بين الضحكات المتواصلة، يتمتم يوسف: “هل كان هذا هو الحل؟ فقط التقاط المال والمضي قدمًا؟!”، المرأة التي حسمت الصراع في بضع ثوانٍ لا تزال حاضرة في ذهنه، وكأنها تجسيد لحل بسيط لقضية تعقدت في رأسه. ينظر مرة أخرى إلى الأرض، حيث كانت الحزمة، لكنه يرى الآن شيئًا أعقد بكثير من النقود.

أضف تعليق