كان يا مكان في قديم الزمان.. كان هناك غابة.. كانت تفيض بالألوان والحياة، وُلد فيها طاووس صغير. الجميع كانوا ينظرون إليه ويقولون: “هذا الطاووس سيكون واحداً من أجمل الطواويس التي مرت علينا!”، وكان الطاووس الصغير كل يوم يكبر، وتكبر معه التوقعات. الكل كان يرى في ريشه الذي يتفتح شيئاً خارقًا للطبيعة، حتى أن الأسد، ملك الغابة، بدأ يشعر بالقلق. “هل سيسرق هذا الطاووس الأضواء مني؟” كان الأسد يقول لنفسه، بينما الطاووس يتباهى بريشه اللامع في كل مكان.
ومع مرور السنين، لم يخيب الطاووس الآمال. بالفعل، كبر وأصبح الأجمل بين جميع الحيوانات، وليس هذا فحسب، بل قرر أن يأخذ الأمور خطوة أبعد. “لماذا أكتفي بأن أكون الأجمل؟ لماذا لا أكون الملك؟” قال لنفسه في إحدى الليالي، وهو ينظر إلى انعكاسه في البركة. وبهذا التفكير الجريء، أزاح الطاووس الأسد عن عرشه وأصبح ملك الغابة، لا بقوته أو حكمته، بل بجماله الفاتن وريشه المبهر.
ولكن الطاووس لم يتوقف عند هذا الحد، فقد قرر أن يضيف لمسة جديدة على جماله المدهش. وفي يوم من الأيام، خرج على الحيوانات وهو يرتدي حفوضة بيضاء. نعم، حفوضة بيضاء براقة! وقفت الحيوانات مشدوهة، ولم يفهم أحد ما الذي يدور في ذهنه. “ما هذا الشيء؟” همست الغزالة للأرنب. لكن قبل أن يتسنى للأرنب الإجابة، وقف الطاووس في وسط الساحة، وقال بفخر: “هذه الحفوضة هي رمز للعظمة والنقاء، ومن يرتديها، يصبح مثلي… ملكاً!”.
سرعان ما بدأ الجميع في تصديق الطاووس، فهم لم يشككوا أبداً في ملكهم الجديد. “إذا كان الطاووس يرتدي الحفوضة، فلا بد أنها شيء عظيم”، فكروا جميعاً. وبدأت الحيوانات تتهافت على ارتداء حفوضات بيضاء مشابهة. الفيلة، الأرانب، وحتى الأسود التي أُبعدت عن الحكم، كلهم ارتدوا الحفوضة. الجميع كانوا يريدون أن يظهروا بمظهر “العظماء”، مثل الطاووس.
لكن ما لم يكن يعرفه الجميع هو أن الطاووس لم يرتدِ هذه الحفوضة لجعلها موضة. كان السبب الحقيقي أبسط وأبخس من ذلك بكثير. الطاووس، رغم كل جماله وريشه البراق، بدأ مؤخراُ يعاني من مشكلة خفية، كان يفتقر إلى السيطرة على نفسه، لذا ارتدى الحفوضة لتكون حلاً لهذه المشكلة. لكن بدلاً من أن يراه الجميع على حقيقته، تحولت الحفوضة إلى رمز جديد في الغابة.
وفي يوم من الأيام، جاء الأرنب الحكيم، الذي ظل يراقب الأمور بصمت لفترة طويلة. توجه إلى الطاووس وسأله بجرأة: “يا ملك الغابة، ما هو سر هذه الحفوضة؟”. ساد الصمت للحظة، وكل الحيوانات انتظرت الإجابة. الطاووس، الذي يعرف أن لحظته قد حانت، ابتسم ابتسامة واثقة وقال: “إنها رمز للعظمة، ألا ترى كيف جعلتني أعظم من الجميع؟”.
الأرنب، الذي لم يكن ينوي سوى استيضاح الأمر، شعر بالرضا. “أردت فقط أن أعرف…”، قال، ثم عاد ليرتدي حفوضته البيضاء مثل الجميع. فحتى الحكيم لم يسلم من سحر الطاووس. الحفوضة البيضاء أصبحت أكثر من مجرد قطعة قماش، أصبحت رمزاً للانتماء، ومعياراً للعظمة في الغابة.
ومع انكشاف سر الطاووس في النهاية، اكتشف الجميع أن الحفوضة ليست رمزاً للعظمة، بل كانت غطاءً لعيب. ولكن المدهش هو أن أحداً لم يهتم. “وما المشكلة في ذلك؟”، قال الثعلب ذات يوم وهو يرتدي حفوضته بفخر. “طالما نحن جميعاً نرتديها، فلا يهم السبب. المهم أن نبدو مثل الطاووس”.
واستمرت الحيوانات في ارتداء الحفوضة البيضاء، رغم معرفتها بالحقيقة. فقد سيطر الطاووس على عقول الجميع، وباتت الحفوضة رمزاً للنفاق الذي لا يجرؤ أحد على التخلي عنه. وبينما استمر الطاووس في مشيته المتبخترة، كانت الغابة كلها ترتدي حفوضات بيضاء، مظهرًا مثاليًا لنظام كامل قائم على الأوهام والزيف، حيث العيب الحقيقي ليس في ارتداء الحفوضة، بل في الجرأة على سؤال “لماذا؟”.
