من أبرز ما يميز هذه الرواية هو البناء السردي المبتكر، حيث يعتمد الكاتب على استخدام راوٍ مختلف في بداية ونهاية القصة، ممثلاً بابنة سعدية، بينما يتولى شخصية الأقشيش مهمة سرد بقية الأحداث. هذا الأسلوب يمنح القصة بعدًا سرديًا متنوعًا ويعزز من شعور القارئ بالتعددية في زوايا الرؤية، ويعمّق فهمه لشخصيات الرواية وتطوراتها على مدار الأحداث.

تبدأ الرواية برواية ابنة سعدية، التي تُعطي القارئ لمحة عن الماضي الغامض والمشاعر المكبوتة، وتختتم بفصل يعيد هذه الشخصية لتظهر مرة أخرى كخاتمة، مما يخلق إطارًا أدبيًا مُتقنًا يُحيط بالرواية ويمهد لجمع الخيوط المفتوحة. هذه التقنية ليست شائعة في الأدب العربي الحديث، مما يضفي تميزًا على هذا العمل ويجعل القارئ ينغمس في عمق الحكاية.

الأسلوب الذي استخدمه شعيب يتجاوز السرد التقليدي، حيث يمزج بين الواقعية التاريخية والرمزية في أحيان كثيرة. تتجسد الأحداث السياسية الكبرى التي شهدتها سوريا، مصر، لبنان، الجزائر، وفلسطين في هذا السياق السردي، حيث يعيش القارئ تلك الفترات من خلال عيون طلال “الأقشيش” وشخصيات أخرى، ما يعطي الرواية طابعًا توثيقيًا يمزج بين الحكاية الشخصية والمعاناة الجماعية.

لا يخلو العمل من التلميحات الأدبية والفلسفية التي تدعونا للتفكير في الهوية والانتماء، ففي كل بلد زاره طلال أو عاش فيه كان هناك صراع يعكس حالة من التيه والبحث عن الذات. القندورة الأمازيغية، التي تحمل رمزية خاصة في العمل، تضيف طبقة من المعاني المتعلقة بالهوية الثقافية والتواصل بين الأجيال، وتؤكد على أن العواطف البشرية والارتباطات الثقافية لا تعرف الحدود.

أما في تناول الأحداث السياسية، فيقدم شعيب الرواية كنظرة استرجاعية للأحداث المشتعلة في تلك الفترة، بدءًا من الثورة الجزائرية وصولًا إلى الحروب في فلسطين والصراع في لبنان. ولسوريا وتحوالاتها السياسية، بين الوحدة والانفصال، حيزاً واسعاً من الرواية، التي تسلط الضوء على التنوعات السياسية في سورية، من البعثيين والشيوعيين والقوميين.. كل هذه المحطات ترسم صورة لتشابك العواطف والمواقف السياسية والاجتماعية، وكيف أن هذه الظروف ساهمت في تشكيل مصائر الأفراد.

تُظهر رواية “سعدية والأقشيش” أن الحب ليس مجرد شعور عابر، بل هو قوة دافعة ومصدر للصراع والأمل في آنٍ واحد. تتجلى هذه الحقيقة من خلال علاقة طلال وسعدية، التي تحمل في طياتها أبعادًا معقدة تجمع بين الشغف والخيبة، وبين الرغبة والرفض. ينجح شعيب في تقديم الحب كعنصر يجسد التحدي الشخصي أمام التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعاصرها الأبطال، حيث يصبح الحب محركًا رئيسيًا للأحداث ومصدرًا للمأساة والتجدد.

في ظل الاضطرابات التي شهدتها فترة الستينيات والسبعينيات، يبقى الحب لدى شخصيات الرواية وسيلة للمقاومة والهروب من واقع قاسٍ ومجتمع يفرض قيوده. شخصية طلال تعيش الحب بمزيج من التعلق والقلق، مما يعكس التوتر بين الرغبة في الاستقرار والخوف من الخسارة في زمن يهدده عدم الاستقرار. أما سعدية، فهي تجسد صورة المرأة القوية التي تحب وتضحي، لكنها تبقى على يقين بأن العواطف في ظروف قاسية قد لا تكون كافية لتحقيق الأمان.

الرمزية في علاقة الحب بين طلال وسعدية تتجلى في وصف اللقاءات والهجر، حيث يضع شعيب القارئ أمام صور مكثفة تعبّر عن الأمل والتحديات. الحب هنا ليس انتصارًا أو هزيمة، بل هو رحلة مضنية مليئة بالتساؤلات، يشكلها التناقض بين الرغبة في الاقتراب والحاجة إلى البقاء بعيدًا لحماية الذات.

أضف تعليق