بينما ترزح حلب تحت وطأة الدمار والافتقار إلى أبسط مقومات الحياة، تتوالى مشروعات “قاطرجي” للفنادق الفاخرة، في مشهد ساخر ومتناقض مع واقع المدينة. تبدو هذه الاستثمارات، التي ترفع شعار الفخامة وسط الركام، أقرب إلى مسرحية لعرض “الاستقرار” على شاشات الإعلام، أكثر من كونها إسهاماً في التنمية الحقيقية.
فنادق النجوم الخمس.. في مدينة بلا ضوء
في بلد متهالك كحال سوريا، حيث تفتقر العديد من الأحياء في حلب لأبسط الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، تبرز مشاريع مجموعة “قاطرجي” الفندقية كحكاية ساخرة من الواقع المأساوي. فمنذ البداية، يبدو أن هذه الفنادق الفاخرة بمرافقها وقاعاتها لا تستهدف فعلياً السياح، بقدر ما هي رسالة مدروسة تحاول تلميع صورة “الاستقرار” في مناطق سيطرة النظام، حيث تطمح أن تحاكي مدناً مستقرة كدبي، وكأنما يفتخر أصحاب المشروع بتقديم بريق مصطنع وسط مشهد من الخراب. وبينما يُقدّم النظام فنادق “تنافس فنادق الخليج”، تبقى الطرق المؤدية إلى هذه الفنادق مليئة بالحفر، وتفتقر الشوارع للإنارة والمواصلات، في ظل عدم وجود “حياة” سياحية حقيقية في المنطقة، خاصة مع شبح الميليشيات المهيمنة.
استثمار أم غسيل أموال؟ رفاهية لأمراء الحرب.. وشقاء لشعب مُنهك
بعيداً عن الاستثمارات الحقيقية التي تساهم في تحسين الحياة الاقتصادية والمعيشية للسكان، تبدو فنادق قاطرجي كأداة أكثر للسيطرة الاقتصادية من تحقيق الأرباح. غياب السياح وارتفاع الأسعار يجعلان هذه الاستثمارات أقرب إلى واجهات لغسيل الأموال، حيث تُحوَّل السيولة المالية إلى عقارات ثابتة في بلد شبه مغلق أمام أي رقابة مالية أو دولية حقيقية. وهذا الواقع يعكس توجهاً مشبوهاً لتحويل المال السائل إلى عقارات في وقت تتفاقم فيه الأزمة الاقتصادية في الداخل. حتى لو كانت هذه المشاريع غير مربحة الآن، فهي تمثل أصولاً قد تحتاج المجموعة إليها في حال تغيرت الأوضاع ووجدت نفسها في مواجهة المساءلة، وكأنَّ “التبييض” ليس ضرورياً لواقعها الحالي بقدر ما هو تحضير لواقع قادم.
الفخامة للشاشات فقط
تبدو استثمارات قاطرجي في فنادق “الفخامة” كعرض دعائي على شاشات الإعلام أكثر من كونها مشاريع تستهدف التنمية الحقيقية. هذه “الفخامة” تخدم رواية النظام السوري عن “التعافي والاستقرار”، وهي فكرة تسوقها للداخل والخارج كمحاولة لإيهام العالم بأن سوريا قد تجاوزت أزماتها، حتى وإن كانت هذه الفخامة مجرّد وهم يُلمّع واجهة الانهيار. على الأرض، لا يجد المواطنون في حلب سوى رماد الحرب، غياب الخدمات، والتضخم المتسارع الذي أرهقهم. في مدينة جفت فيها الحركة السياحية، تبدو هذه الفنادق كقصور مبنية على ركام أحلام الناس واحتياجاتهم الأساسية، وفي مدينة كحلب، حيث يُقاسي الناس من أجل البقاء، تقف هذه المشاريع كرموز تُجسد انفصال النظام وأثريائه عن الشعب، وانعزالهم في أبراجهم بعيداً عن الواقع.
في النهاية، تبدو فنادق قاطرجي كأيقونات فخمة للعرض فقط، تنتظر زواراً افتراضيين في مدينة بلا سياح، وبلد بلا خدمات. ربما يُفتتح قريباً فندق رابع بـ”إطلالة ساحرة” على الحفر والشوارع المظلمة، فبعد كل شيء، في سوريا الجديدة، الفخامة أصبحت للمباني وحدها، والبؤس للأحياء والناس.
