في دمشق وريفها، بات الانتظار في طوابير المواصلات أشبه بانتظار “الوحي”، فلا فرق بين الوقوف تحت أشعة الشمس الحارقة أو البرد القارس، فالنتيجة واحدة: السرافيس اختفت، والحافلات باتت نوعاً من الأساطير القديمة التي يُحكى عنها ولا تُرى. لا تتفاجأ إن استيقظت في الصباح لتجد نفسك عالقاً في محطة النقل وأنت تسأل المارة: “هل رأى أحدكم سرفيسًا؟”، وكأنك تبحث عن وحش نادر انقرض منذ سنوات.
ومع تراجع عدد “السرافيس” المتاحة، لجأ سكان دمشق وريفها إلى حلول بديلة لنقل أنفسهم من نقطة A إلى نقطة B. أول هذه الحلول كان السوزوكي، تلك السيارة الصغيرة التي صممت في الأصل لنقل البضائع، ولكن ما دام الشعب السوري نفسه أصبح “بضاعة” في نظر حكومته، فلا بأس أن يركبها الناس وكأنها حافلة نقل جماعي. هل فكرت يوماً كيف يبدو المشهد؟ صفوف من البشر المتدافعين على ظهر السوزوكي، البعض جالس، والبعض واقف، وآخرون معلقون في الهواء وكأنهم في سيرك.
وإذا كنت محظوظاً بما يكفي للعثور على “سوزوكي”، فلا تظن أن المغامرة قد انتهت. عليك أن تتقن فنّ التوازن وأنت معلق بين الأمتعة والمواطنين، وكأنك في فيلم أكشن هوليوودي. وإذا كنت تفكر في الركوب على متن دراجة نارية، تذكر أن الأمر ليس سهلاً كما يبدو. فالطريق مزدحم بالفوضى، والبقاء حيًا على دراجة وسط كل تلك السيارات يشبه محاولة الهروب من فخ محكم.
أما النظام، الذي يبدو مشغولاً بتبرير فشله في إدارة أزمة المواصلات كما يبرر كل شيء آخر، يظل صامتاً إزاء حقيقة أن دمشق وريفها قد تحولا إلى لوحة متحركة من مشاهد الفوضى. ربما يعتقد رأس النظام أن الناس يجب أن “يتأقلموا” مع الوضع ويبحثوا عن حلول مبتكرة. فبعدما أصبح السوزوكي والدراجة النارية وسائل النقل الشعبية، يمكن أن تكون المرحلة القادمة هي العودة إلى الجمال، أو ربما الحمير، لأنها أقل تكلفة ولا تحتاج إلى بنزين أو كهرباء.
نعم، قد تضحك، لكن في الحقيقة، الحمير هي الحل المثالي في ظل هذا الانهيار المتسارع. لن تحتاج إلى طوابير انتظار، ولا إلى صيانة، ولن تقلق بشأن ارتفاع سعر الوقود. الحمير متوفرة دائماً، صديقة للبيئة، ولا أحد سيشتكي من زحمة السير بعد الآن. وفوق كل هذا، ربما سنبدأ نسمع قريباً عن “طوابير الحمير”، حيث يصطف المواطنون في محطات جديدة، يترقبون وصول “المواصلات الطبيعية” في عهد النظام الجديد.
والحكومة؟ لا تقلق، فهي ستجد طريقة لتحصيل الضرائب حتى من الحمير، وستطلق تصريحاً مفاده: “الحمار يمثلني”.
