رواية الحرب تشرب الشاي في المقهى للكتاب منصور المنصور تُقدم لوحة تعكس بواقعية ما شهده المجتمع السوري خلال 11 عامًا من الثورة والحرب. من خلال تقنية تعدد الأصوات، نجح المنصور في رسم شخصياته، مانحًا كل شخصية صوتًا خاصاً ومساحة خاصة للتعبير عن مواقفها السياسية والأخلاقية. هذه الشخصيات ليست مجرد أدوات سردية، بل نماذج حية تعكس تعدد المواقف التي اتخذها السوريون في صراعهم الطويل مع الحرب والاغتراب.
خلقت الرواية حوار داخلي عميق بين الشخصيات والقارئ، حيث لا يفرض الكاتب حكمًا أو رؤية معينة، بل يتيح لنا التأمل في مختلف القرارات والاختيارات التي شكلت مصائر الأبطال. أسلوب تعدد الأصوات منح العمل صدقًا كبيرًا، وأدى إلى بناء الشخصيات بشكل حقيقي وواقعي، خصوصًا الشخصيات النسائية التي عبّرت عن عمق التمرد والتحدي.
ورغم نجاح الرواية في تقديم رؤية شاملة للصراع، إلا أن بعض الشخصيات، مثل عارف، قد بدت أحيانًا متناقضة بشكل مفرط، مما قد يترك القارئ في حالة من الحيرة حول دوافعها الحقيقية. ومع ذلك، يبقى هذا التناقض جزءًا من توجهات النص واختيارات الكاتب..
بالعودة إلى تعدد الرواة، إن اعتماد الرواية الكلي على تقنية السرد بضمير المتكلم أضاف تحديات للرواية. هذه التقنية، رغم قدرتها على خلق تواصل حميمي بين القارئ والشخصيات، أحيانًا جعلت السرد يبدو مقيدًا داخل نطاق التجارب الشخصية لكل شخصية. كان من الممكن أن يستفيد النص من بعض التنوع السردي باستخدام ضمائر أخرى، ليتيح للقارئ منظورًا أكثر شمولية للأحداث والخلفيات التي تؤطر هذه الشخصيات.
في بعض الأحيان، تجد نفسك غارقًا في تفاصيل الشخصيات الفردية، دون أن تحصل على رؤية واضحة للوحة الكاملة التي تعكس تعقيدات الحرب السورية. هذا التركيز على الذاتية أضاف عمقًا للشخصيات، لكنه أحيانًا أبطأ الإيقاع العام للرواية. ومع ذلك، فإن هذا الأسلوب يعكس اختيارًا فنيًا من الكاتب للتركيز على الأبعاد الداخلية لكل شخصية، مما جعله يفضل بناء العالم الروائي من خلال تجربتهم الفردية.
في النهاية، رغم هذا التحدي، استطاع منصور المنصور أن يجعل السرد الشخصي وسيلة لفهم أعمق لتجربة الحرب والاغتراب، محققًا بذلك توازنًا جيدًا بين الشخصي والجماعي، وبين الذاتية والموضوعية.
رواية الحرب تشرب الشاي في المقهى
تأليف الكاتب السوري منصور المنصور
صادرة عن دار سامح
تقع في ٢٣٤ صفحة
