الاستثمار العجيب: الزيتون للقادرين فقط

النظام السوري لم يعد يكتفي بسرقة الأثاث والأسلاك الكهربائية من المنازل المهجورة، بل قرر أن يرتقي بفن السرقة إلى مستوى جديد. “مزاد علني لاستثمار الزيتون”، هكذا تمت صياغة القرار، وكأن المسألة تتعلق بمزاد في أحد المعارض التجارية الفاخرة. ولكن المفارقة تكمن في أن المزاد ليس مفتوحًا للجميع. فمن يريد المشاركة عليه أن يكون جزءًا من دائرة مغلقة من المستثمرين المحظوظين، الذين على ما يبدو يتقنون فن “التشبيح” بامتياز.

كيف يتم ذلك؟ عليك فقط دفع مبلغ خمسين ألف ليرة سورية لكل دونم من الأرض التي لم تزرعها، ولم تتعب في ريها، ولم ترثها عن أجدادك، وإنما أُخذت من أصحابها الشرعيين بالقوة. هنيئًا لك أيها “المستثمر” الجديد، فلقد أصبحت صاحب قطعة أرض من دون حتى أن تعرف لون تربتها.

غطاء قانوني… أم غطاء للنهب؟

النظام السوري قرر أن يجعل السرقة أكثر أناقة. نعم، لن نسرق المحاصيل كما يفعل اللصوص العاديون، بل سنضع غطاءً قانونيًا جميلًا على هذه العمليات. ورقة رسمية تُبرم في مبنى الأمانة العامة لمحافظة إدلب، يُشرف عليها “مسؤولون محترمون”، وستكون قادمًا إلى المزاد العلني مثل رجل أعمال بارع يقتنص الفرص الذهبية. لكن في الحقيقة، هذا ليس سوى قناعٍ جديد لنهب ممنهج.

إنه السيناريو المثالي للجريمة: تأتي قوات النظام لتسيطر على المناطق، تهجر سكانها، ثم تعلن “بكل شفافية” عن مزادات لاستثمار ما لم يعد ملكًا لهم. إنها عملية “استثمار” لا تتطلب منك سوى القدرة على التملص من أي وازع أخلاقي.

المزارع بلا محصول، واللصوص يعقدون الصفقات

في قصة لا تختلف عن مسرحيات النفاق، يتم تنظيم هذه المزادات وكأن الأمر مجرد تجارة عادية، لكنها تجارة بأرزاق المهجرين الذين تم اقتلاعهم من بيوتهم وأراضيهم. هؤلاء المهجرون لا يملكون حتى حق الحضور في هذا “العيد التجاري”، ولا يُسمح لهم بالاستفادة من حقول الزيتون التي زُرعت على مدار أجيال.

نحن أمام مشهد ساخر حيث تجد السارق يرفع شعار “القانون”، والمسروق منه مُهمشًا في الزوايا. نظام لا يكتفي بالتدمير، بل يتفنن في ابتكار طرق جديدة للسرقة. وليس من المستغرب أن يكون أحد الشروط المشاركة في هذه المزادات هو أن تكون قادرًا على دفع مبالغ باهظة، لأن هذه “الفرصة الاستثمارية” ليست للأيادي المتعبة والمزارعين البسطاء، بل لمن يستطيعون اللعب على الحبال القانونية والنهب المشروع.

سرقة الزيتون على الطريقة الرسمية

المضحك المبكي في هذه القصة هو أن عمليات النهب تجري تحت أنظار الجميع، بمن فيهم أصحاب الأراضي الحقيقيين الذين يرون أرزاقهم تُباع لمن يدفع أكثر. المزاد ليس سوى غطاء رقيق على جريمة مستمرة، حيث يُسمح للمستثمرين الجدد بالاستيلاء على المحاصيل، بينما أصحابها يقفون على الجانب الآخر من الحدود، محرومين من حق العودة، ومنتظرين “فرصة” ربما لا تأتي أبدًا.

أضف تعليق