في عالمنا العربي، حيث تتحول الحقيقة إلى أسطورة والإعلامي إلى بطل خارق… بطل خارق في التطبيل والتزمير، طبعاً. القلم الذي كان يفترض أن يكون سلاحاً لفضح الفساد وكشف الظلم، بات اليوم أداة فنية يُستخدم كريشة لتجميل وجه الديكتاتور القبيح. نعم، الإعلامي الموالي للديكتاتوريات هو مثل “راقص باليه” محترف، يعرف تمامًا كيف يؤدي حركاته بخفة وأناقة، ولكن بدلًا من التمايل على أنغام الموسيقى الكلاسيكية، يتمايل على أنغام “الأمر صادر من فوق”.

إذا كنت تعتقد أن مهمة الإعلامي هي نقل الحقيقة، فأنت تعيش في كوكب آخر. هنا، الإعلامي الموالي للديكتاتورية يعمل بوظيفة “بائع أعذار”. هل تشعر بالحيرة عندما يرفع النظام الأسعار؟ لا تقلق، سيخبرك الإعلامي أن هذا جزء من الخطة “العظيمة” لتحسين الاقتصاد. هل اختفى الوقود؟ الإعلامي سيشرح لك كيف أن هذا الأمر جزء من الخطة “البعيدة المدى” لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

بل وحتى لو تحول الشارع إلى ساحة معركة ضد النظام، سيقف الإعلامي بكل شموخ ليقول: “إنهم مجرد أعداء الوطن، مموّلون من الخارج، لا تخافوا، القائد في الخلفية يدير كل شيء”. هؤلاء الإعلاميون يمتلكون قدرة خارقة على اختراع أعذار تنافس في جودتها قصص ألف ليلة وليلة، ولكن بنكهة “تحيا الزعامة”.

في إحدى المرات، قال أحد الإعلاميين الموالين: “نحن لا نمجّد القادة، بل نعرض الحقائق”. آه، حقًا؟ هذا يشبه تمامًا قول الشيف في أحد المطاعم: “نحن لا نستخدم الملح، نضيف فقط نكهة البحر!” فبالنسبة لهؤلاء الإعلاميين، الحقيقة ليست سوى أداة للتزيين، يُعاد تدويرها وتلميعها حتى تصبح مشوهة بما يكفي لخدمة أجندة الديكتاتور.

يستخدمون كلمات مثل “إنجازات القائد”، “الخطط الحكيمة”، و”الصمود الأسطوري” وكأنهم يصفون معركة قد خاضها البطل “سوبرمان” في فيلم جديد. الواقع؟ لا شيء منه يهم، طالما أن الكلمات تبدو جميلة وتخدم الرواية الكبرى التي يروج لها الإعلام الرسمي. الحقيقة الوحيدة في قاموسهم هي تلك التي يمليها عليهم المسؤول من “فوق”.

واحدة من أجمل لحظات السخرية هي عندما يقف الإعلامي ليقول بثقة: “الديكتاتور هو الحل الوحيد”. وكأن شعوب المنطقة قد اجتمعت جميعًا على رأي واحد، وبكل حماسة قالوا: “نعم، نريد المزيد من الطغاة!”. هؤلاء الإعلاميون يحولون الديكتاتور إلى بطل شعبي، وكأن الطغيان هو الموضة الجديدة التي يجب أن يتبعها الجميع.

المضحك هو أن الإعلامي نفسه يعرف تمامًا أن الشعب لا يطيق الديكتاتور، لكنه يستمر في أداء دوره ببراعة. لماذا؟ لأنهم ببساطة أسياد المسرح. يلعبون دور “المرشد الوطني”، ويوجهون الجماهير للتصفيق مهما كانت الحقيقة خلف الستار.

الإعلاميون الموالون للديكتاتوريات ليسوا مجرد “مصفقين” في خلفية المشهد، بل هم القتلة الحقيقيون. نعم، الرصاصة قد تقتل فردًا، لكن القلم الخائن يقتل أمة بأكملها. الكلمات الزائفة التي يروجون لها تترك آثارًا طويلة الأمد؛ فهي تقتل الفكر، تدمر الحقيقة، وتحول الشعوب إلى قطعان تائهة في بحر من الأكاذيب.

بينما يجلس الديكتاتور في قصره، يسهر هؤلاء الإعلاميون على حراسة “قصر الأكاذيب”، حيث لا مكان للحقيقة، إلا إذا كانت تخدم القائد.

أضف تعليق