هل تتساءل يومًا كيف يستطيع بعض الناس إدارة حياتهم بمرونة مدهشة؟ كيف يمكنهم أن يتعاملوا مع نفس الموقف بطريقتين متناقضتين بكل سهولة؟ حسنًا، السر يكمن في فن “الكيل بمكيالين”، ذلك الفن الذي يعتمده الكثيرون كإستراتيجية للبقاء… ولكن حسب المصلحة الشخصية طبعًا!
خذ مثلاً ذلك الشخص الذي يُلقي الخطب النارية عن الالتزام بالمواعيد، لكنه حين يتأخر هو، يصبح التأخير علامة على عبقريته المشغولة ووقته الثمين. أما أنت؟ تأخرت دقيقة واحدة؟ يا للكارثة! تصبح رمزًا للإهمال واللامبالاة. إنها ببساطة قوة المصلحة الشخصية، التي تجعل المكيال يتغير بسرعة البرق.
الكيل بمكيالين في السياسة: حيث يتألق الازدواجية!
السياسة هي المكان المثالي للكيل بمكيالين. هنا، يُرفع شعار “العدالة للجميع” بينما تُوزع الامتيازات الخاصة على الأصدقاء والمقربين. تجد السياسيين يرفعون لافتات حقوق الإنسان ويمثلون دور الأبطال، لكن حين يتعارض هذا مع مصالحهم أو مصالح حلفائهم، فجأة تصبح المبادئ مجرد “تفاصيل جانبية” غير مهمة.
الحكام في الشرق العربي يتفوقون في هذا الفن: صباحًا يتحدثون عن مكافحة الفساد، وفي المساء يُبرمون صفقات مربحة مع زملاءهم القدامى. وبينما يتم الحديث عن “العدل والمساواة”، يتم التأكيد على أن أموال البلاد محفوظة في جيوبهم “من أجل المصلحة العامة”.
الكيل في الحياة اليومية: إبداع بلا حدود
أما في حياتنا اليومية، فالازدواجية هي ملكة الموقف. خذ مثلاً الشخص الذي يُشدد على أهمية الحفاظ على القانون ويوبخك إن قطعت الإشارة الضوئية، لكنه هو نفسه يتجاوزها عندما لا تكون هناك دورية شرطة. إنه من تلك العينة التي تذكرك دائمًا: “النظام أهم شيء”، ولكنه بالطبع “أهم من النظام”.
أو صديقك الذي ينادي بالاحترام المتبادل ويطالبك بالرد على رسائله فورًا، بينما هو يحتاج إلى ثلاثة أيام ليرد على رسالة منك، وإذا واجهته بذلك، ستسمع الجواب التقليدي: “كنت مشغولًا جداً”. آه، بالطبع، لأنك الشخص الوحيد على هذا الكوكب الذي ليس لديه حياة مشغولة!
الكيل بمكيالين: رياضة شعبية متوارثة
في السياسة، في العمل، في البيت، بل حتى في الأحاديث الجانبية بين الأصدقاء، يتقن الجميع لعبة الكيل بمكيالين. تصبح المواقف مرنة وقابلة للتعديل حسب الظروف، وحسب “المصالح الشخصية”. ومن يستطيع إنكار متعة توجيه الاتهامات للآخرين بنفس الشيء الذي تفعله أنت، ولكن بشكل أكثر “أناقة”؟
كيف تتقن فن الكيل بمكيالين؟
إذا أردت أن تواكب العصر وتصبح محترفًا في الكيل بمكيالين، فما عليك سوى اتباع هذه النصيحة الذهبية: ضع مصالحك الشخصية نصب عينيك، واجعلها المعيار الوحيد في حياتك. عندما تنظر إلى الأمور من هذا المنظور، ستجد أن الحقائق والأخلاق يمكن أن تتحول بسهولة إلى أدوات تلاعب، تُستخدم حسبما تقتضي الظروف.
وهكذا، ستتمكن من التحدث عن المبادئ، بينما تُحسن إدارة تلك “الاستثناءات” الضرورية. في النهاية، من قال إن الحياة عادلة أو تتطلب منّا الالتزام بمعيار واحد؟ نحن في عالم تتغير فيه القيم مع المصالح… فقط تأكد أن كفتك دائمًا هي الأثقل!
