هل تود أن تكون بطلًا أخلاقيًا وأن تحظى بإعجاب الجميع، لكنك تجد نفسك في موقف متناقض؟ لا تقلق، في الشرق العربي، يوجد حل سهل وفعال: الكيل بمكيالين! إنها الطريقة المثالية لتبني القضايا الأخلاقية الكبرى وانتقاد الظلم… لكن فقط عندما يناسبك.
خذ على سبيل المثال شخصًا يثور ضد استبداد بشار الأسد، يرفع شعارات الحرية والكرامة ويندد بالقمع، لكن في الوقت ذاته، تجده يمجّد صدام حسين كـ”زعيم قوي”. يتجاهل القمع والظلم الذي مارسه صدام، لأنه ببساطة “كان رجلًا صارمًا في وقته”. إن القدرة على تكييف الأخلاق وفقًا للموقف هي مهارة نادرة، ومن يتقنها يعيش في سلام داخلي لا يضاهى، لأن ضميره دائمًا مرتاح… أو بالأحرى نائم!
الثائر الانتقائي: مع الحق… عندما يناسبه
الاحتجاج ضد الظلم والقمع أمر نبيل بلا شك. لكن لماذا تكون مع الثورة على بشار الأسد وترفع صوتك عاليًا بالحرية والعدالة، ثم تنقلب رأسًا على عقب عندما يتعلق الأمر بحاكم آخر؟ لماذا تثور ضد الديكتاتورية في سوريا، ولكن تدافع عن سياسات القمع في العراق أو مصر؟ لأنه ببساطة، “كل ديكتاتور وله ظروفه الخاصة”، وتقييمنا للأخلاق مرتبط بالمكان والزمان… والمصالح طبعًا.
لا عجب أن ترى شخصًا ينتقد بشدة الأنظمة الشمولية، ولكنه يدعم بقوة ديكتاتورًا آخر بحجة “الزمن الذهبي” الذي عاشه ذلك الديكتاتور. وهكذا، تتغير المبادئ بحسب المشهد، ويصبح من المقبول أن تكون مع القمع… إذا كان القامع ينتمي إلى معسكرنا الخاص.
الدفاع عن الحرية… بشرط أن تكون ‘حريتي‘
لنتحدث عن الحرية والديمقراطية، تلك الكلمات التي نحب ترديدها في النقاشات. أنت مع الحرية، نعم، ولكن… فقط عندما تخصك أنت. تريد حرية التعبير؟ بالطبع! لكن عندما يبدأ الآخرون في استخدام حرية التعبير لانتقاد رموزك المفضلة، تصبح هذه الحرية “سيفًا يهدد استقرار الأمة” أو “إساءة استخدام للمفاهيم المقدسة”. إنه الكيل بمكيالين في أبهى صوره.
ربما تجد نفسك تنادي بالديمقراطية والانتخابات الحرة، وتحتج على تزوير الأصوات. لكن في المقابل، إذا جاءت نتائج الانتخابات ضد مرشحك، تتحول بسرعة إلى رافض شرس للديمقراطية، معتبرًا أن “الجماهير غير مؤهلة لاتخاذ القرار الصحيح”. لأنه في النهاية، أنت فقط مَن يعرف مصلحة الجميع، والديمقراطية الحقيقية هي التي تحقق ما تريد أنت.
النفاق الأخلاقي: معيار حسب الطلب
النفاق الأخلاقي ليس جديدًا في الشرق العربي، بل هو تقليد عريق. فتجد نفسك ترفض العنف والقتل في بلد، لكنك في نفس الوقت تبرر القتل في بلد آخر لأن “الأوضاع هناك مختلفة”. تدافع عن حقوق الإنسان في مكان، وتغض الطرف عنها في مكان آخر، لأن “الضغوط الدولية” أو “المؤامرات الخارجية” هي السبب. إنه السحر الأخلاقي الذي يجعل الحق والباطل قابلين للتعديل والتغيير بحسب الحاجة.
كيف تكون معارضًا للاستبداد، ولكنك تؤيد القمع باسم “الأمن القومي”؟ كيف ترفض التدخل الأجنبي، ولكنك ترحب به عندما يكون في صالحك؟ كيف ترفض الانتهاكات، ولكنك تسكت عنها إذا ارتكبها الطرف الذي تدعمه؟ إنها قدرة استثنائية على تشكيل المواقف الأخلاقية حسب المصالح الشخصية، ولأن الضمير مرن، فهو يسمح بهذه التحولات دون الشعور بأي تناقض.
الكيل بمكيالين: طريقك السريع نحو الطمأنينة الأخلاقية
في النهاية، إذا أردت أن تكون بطلًا أخلاقيًا معفيًا من التناقضات، فما عليك إلا أن تتقن فن الكيل بمكيالين. يمكنك أن ترفع الشعارات النبيلة متى شئت، وتتركها جانبًا متى لزم الأمر. القضايا الأخلاقية تصبح مسألة “مزاج” أكثر منها مبدأ ثابتًا. والمبادئ، كما تعلم، قابلة للتبديل مثل القمصان!
لذلك، في المرة المقبلة التي تجد نفسك في موقف معقد، لا تشعر بالضغط. فقط اسأل نفسك: ما هو المكيال الذي يناسبني اليوم؟ بهذه الطريقة، ستضمن أن تكون دائمًا على حق… حتى وإن كنت على خطأ!
