لا شيء يشعل ذكاء “الذكور الشرقيين” أكثر من تلك اللحظة “المقدسة” عندما يقررون أن العار قد حان وقته للغسل. العار، تلك الكلمة الغامضة التي أصبحت مثل بطاقة “سحرية” يستخدمها الرجال لإخفاء كل الجثث التي خلفوها وراءهم. وبينما العالم يحتفل بعصر المعلومات والتكنولوجيا، نحتفل نحن بقدرتنا الخارقة على إعادة إحياء العصور الوسطى بطرق جديدة، ولعل “غسل العار” هو طقسنا المقدس في هذه الاحتفالية المستمرة.

تخيل فارسا من العصور الوسطى، بيديه سيف مرصع بالجواهر، يجوب الحقول على حصانه بحثا عن شرف العائلة الذي سقط منه سهواً. هكذا يبدو الذكر الشرقي، لكنه بالطبع استبدل الحصان بسيارة مستعملة، والسيف بمسدس أو سكين مطبخ. لنفكر قليلاً، العالم تطور حتى بات يرسل صواريخ إلى الفضاء، ونحن هنا ما زلنا نغسل “العار” كما لو كنا نعيش في حلقة من “صراع العروش”.

المثير للسخرية أن هذا “الفارس” لم يسمع شيئا عن غسل ضميره، ولا يفكر يوما في غسل جرائمه ضد الإنسانية، لكنه مستعد دائما لرفع راية “غسل العار”. كيف؟ بسيط جدا: يقتل أخته أو ابنته أو حتى قريباته ويعتبر نفسه قد “طهّر” العائلة من الوهم الذي يطارده.

إذا تجرأت فتاة على الخروج بملابس غير مقبولة وفقا لمعايير “العارف بكل شيء” (أخيها أو عمها أو حتى جارها)، فإن الشرف يسقط عن العائلة! وبدلاً من إصلاح الأمور بحوار بسيط، يقوم الذكر الشرقي بما يجيده: إطلاق النار على المشكلة. نعم، في ذهنه العبقري، هذه هي الطريقة المثلى للحفاظ على الشرف، تماما كما كان الفرسان في العصور الوسطى يتقاتلون بالسيوف لحل النزاعات بين الممالك.

المشكلة في كل هذا ليست مجرد الجريمة التي تُرتكب باسم “غسل العار”، بل في المجتمع الذي يبتسم ببرود وكأنه شاهد إعلانا تجاريا لشامبو جديد. غسل العار؟ حقا؟ لنفكر قليلاً: إذا كان الدم هو أفضل طريقة لتنظيف العار، فلماذا لا يُعلنون عن مسحوق تنظيف سحري؟ يمكن أن يطلقوا عليه اسم “كلوركس العار”، ويكون الإعلان كالآتي: “مع كلوركس العار، اغسل شرفك خلال 5 دقائق فقط!” سيكون ضربة تسويقية هائلة.

في العصور الوسطى، كانت هناك محاكم تفتيش تتعامل مع الساحرات المزعومات، ولكن حتى تلك المحاكم كان لديها نوع من “الإجراءات” قبل حرق الضحية. أما في عالم “غسل العار” الحديث، فلا حاجة لمحكمة أو حتى لاتهام معقول. يكفي أن يرتاب أحد أفراد العائلة في “سلوك” الضحية، وربما يكفي أن تخرج بدون إذنه. هكذا، وبكل بساطة، يشعل الفارس الشرقي سيفه الحديث ويشرع في القتل.

لكن في الحقيقة، حتى فرسان العصور الوسطى كانوا يمتلكون رموزا ومعايير للعدالة، مهما كانت مشوهة. أما فرساننا المعاصرون، فقد تجاوزوا هذه المراحل تماما، وأصبحوا يحكمون على الفور، بناء على نصوص تقليدية بائسة، وينفذون الحكم بلا رحمة ولا عقل.

العالم يتقدم ونحن نقف في المكان نفسه. قد تحلق الطائرات فوق رؤوسنا، وقد يرسل العلماء الأقمار الصناعية إلى الفضاء، لكننا هنا، نغسل العار بالدماء. إنهم يتحدثون عن المستقبل، ونحن عالقون في كابوس الماضي.

نشرت في موقع تلفزيون سوريا بتاريخ ٢٧-٩-٢٠٢٤

أضف تعليق