في كل مرة يمر لبنان بأزمة جديدة، نجد أصابع الاتهام تشير إلى كل مكان إلا إلى الوجه الحقيقي للأزمة: حزب الله. ذاك الحزب الذي تحول من “مقاومة” إلى آلة تدمير شاملة، وكلما تدخل في شيء، أصبح كمن يحمل المطرقة ويظن أن كل شيء حوله مسمار. إنجازاته؟ دمار البلد أكثر من مرة، تهجير الآلاف، وقتل الأبرياء، وكل ذلك بحجة تحرير فلسطين!
نعم، فلسطين قضيتنا، ودعمها واجب على كل العرب، لكن بالله عليكم، هل هناك منطق في دعم قضية بتحويل بلدك إلى كومة رماد؟ منذ عام 2005، وحزب الله يصنع الأزمات، حرب بعد حرب، معركة تلو الأخرى. كلما أراد “تحرير القدس”، انتهى به الأمر بتدمير بيروت. قد تقول إنني أبالغ؟ حسناً، لنعد إلى عام 2006: حزب الله أعلن عن “انتصار إلهي” بعد حرب استمرت شهوراً ودمرت نصف لبنان، وبعدها… ماذا؟ بيروت ما زالت مدمرة، فلسطين لم تتحرر، بل زاد عدد النازحين واللاجئين، وسوريا؟ دعونا لا نتحدث عن سوريا.
الحزب يفتح أبواب الجحيم أينما حل. تدخله في سوريا، مثلاً، جعلنا نرى كيف يمكن لحركة “مقاومة” أن تتحول إلى أكبر داعم لديكتاتور. وفي الداخل اللبناني؟ قراراته العبقرية في السياسة والاقتصاد جعلت البشر تحلم بالكهرباء كما يحلم البعض بالصعود إلى القمر، أما الليرة اللبنانية، فربما تصبح جزءًا من متحف العملات قريباً.
المضحك المبكي أن كل هذا يحدث باسم المقاومة، لكن لو سألنا حزب الله، “كيف تدعم فلسطين؟”، الجواب جاهز: “بتحطيم لبنان!”… هذا منطقهم. وكأن خراب بيروت هو الخطوة الأولى نحو تحرير القدس! على هذا الحال، بعد كل حرب يخوضها الحزب، نجدنا نعود عشرات السنين إلى الوراء، بينما فلسطين تبتعد أكثر فأكثر.
حزب الله، الذي يدّعي أنه يحمي لبنان ويقاتل من أجل فلسطين، نسي أن الحروب لا تحرر أراضٍ، بل تدمّر أوطاناً. نحن نؤمن أن دعم فلسطين واجب، لكن دعمها لا يعني هدم البيوت وتحويل البلاد إلى ساحة معركة دائمة. دعم فلسطين يعني الوحدة، المساعدة الإنسانية، الدعم السياسي والاقتصادي، وليس تحويل كل شيء نلمسه إلى أنقاض تحت عنوان “المقاومة”.
وبالطبع، لا يمكننا أن ننسى خطابات السيد حسن نصر الله، التي تأتي في كل مرة وكأنها الحلقة الجديدة من مسلسل طويل عنوانه “كيف نحرق لبنان ونقول إنه انتصار”. نصر الله في خطاباته يشعرك بأن كل ما يجري من دمار، انهيار اقتصادي، تهجير، هو مجرد تفاصيل صغيرة أمام “النصر الكبير” الذي يعد به منذ سنوات. وكأنه عندما يخرج بخطابه المتلفز، مرتديًا لباسه الأسود، يتحدث عن انتصارات لا نراها إلا على شاشة التلفاز!
الخطاب يبدأ دائمًا بتأكيد أن “كل شيء تحت السيطرة”، رغم أن البلد يغرق في فوضى عارمة. يتحدث عن فلسطين وكأنه على وشك إعلان تحريرها غدًا، بينما نحن نبحث عن شمعة نضيء بها غرفتنا وسط الظلام. يتكلم عن “المقاومة”، وكأن المقاومة أصبحت هواية مسائية تقتصر على نسف أي أمل بحياة كريمة في لبنان. وفي كل مرة يختم الخطاب بجملة من الطراز القديم، مثل: “سننتصر”! ولكن، متى؟ وكيف؟ والأهم، على من؟!
ربما في المرة القادمة، نصر الله سيعلن “نصرًا إلهيًا” جديدًا… على آخر بقايا الاقتصاد اللبناني!
وفي النهاية، يبقى السؤال الأكبر: متى سينتهي هذا العبث؟ إلى متى سيستمر حزب الله في تدمير لبنان تحت شعار المقاومة والتحرير؟ نعم، فلسطين قضيتنا، ودعمها واجب، ولكن ليس على حساب لبنان ومستقبله. لم يعد لبنان يحتمل المزيد من “الانتصارات” الوهمية، ولم يعد شعبه قادرًا على تحمل نتائج القرارات العشوائية التي لا تخدم سوى أجندات خارجية.
حزب الله أصبح مثل ذاك الطفل الذي يلعب بالنار، مدعيًا أنه يحمي الجميع، بينما في الواقع هو من يشعل الحرائق. والخوف كل الخوف أن يكون الحريق القادم هو الذي سيحرق ما تبقى من هذا البلد الذي كان يومًا يُسمى “سويسرا الشرق”.
