في جنوب لبنان اليوم، نفس المسرحية الحزينة، لكن مع طاقم تمثيلي جديد. آلاف اللبنانيين يفرّون من بيوتهم وكأنهم في رحلة سفاري غير مخطط لها، والسبب؟ طبعًا، الضربات الإسرائيلية. وبينما يُجهز هؤلاء حقائبهم على عجل، يُذكّرنا هذا المشهد بفصول أخرى، تلك التي عاشها السوريون، ولكن مع إضافة بعض “الإكسسوارات” الجديدة على القصة. في سوريا، كان العدو أولًا النظام الذي قرر أن يهدي شعبه الحمم البركانية بدلًا من الوعود الانتخابية، ثم اكتمل الطاقم بميليشيات من لبنان وإيران وروسيا، جاءت لتنقذ سوريا من شعبها!
أما في لبنان، فالأدوار تبدو معكوسة: العدو الخارجي هو إسرائيل، والعدو الداخلي؟ حسنًا، إنه حزب الله وسياساته التي تبدو كأنها اختبار صبر للبنانيين. فبينما يُضرب الجنوب ويفرّ الناس من بيوتهم كمن يهرب من حفلة عيد ميلاد مليئة بالانفجارات، يُصدر الحزب بيانات “الصمود والانتصار”، مع تأكيد أن “الوضع تحت السيطرة”. طبعًا، لأن السيطرة هنا تعني أن الشعب هو الوحيد الذي يُسيطر عليه بالقصف والنزوح.
حزب الله وسياسات “دعهم ينزحون!”
حزب الله، ذلك الحزب الذي يرفع شعارات “المقاومة” في النهار، ويُجهز لمعارك إقليمية في الليل. بالنسبة له، النزوح ليس مشكلة، بل فرصة جديدة لعرض بطولات الحزب على شاشات الأخبار. لا مشكلة إن نزح 100 ألف لبناني من الجنوب، فالانتصار ليس في الحفاظ على أرواحهم أو ممتلكاتهم، بل في القدرة على البقاء في المعادلة الإقليمية.
منذ سنوات والحزب يتعامل مع لبنان كملعب كبير، حيث تُلعب فيه مباريات حامية الوطيس دون أي اهتمام بالمشجعين. طالما أن قيادات الحزب بخير، فالباقي مجرد تفاصيل هامشية. ربما كان لسان حال الحزب يقول: “إذا كنتم تشعرون بالحرج من النزوح، فانتظروا قليلاً، المعركة المقبلة ستكون أكثر حماسة!”
معاناة اللبنانيين المستمرة: قصة لا تنتهي
لبنان، ذلك البلد الذي يصرّ على أن يلعب دور البطولة في مسرحية المأساة التي لا تنتهي. من الحروب الأهلية إلى الأزمات الاقتصادية، يبدو أن اللبنانيين محظوظون بأنهم دائمًا في قلب الحدث! ومع ذلك، لم يكن لأحد أن يتوقع أن يصبح الجنوب مسرحًا متجددًا للتهجير والدمار كل بضع سنوات.
السياسات المتواصلة لحزب الله جعلت الحياة في لبنان كمن يعيش داخل فيلم كوميدي عبثي، حيث تُحرق السيارات وتُهدم المنازل، ولكن الأبطال لا يزالون يتحدثون عن “الانتصارات التاريخية”. هل تتذكرون ذلك المشهد المضحك من الأفلام الكلاسيكية عندما يُهاجم البطل ويفرّ هاربًا وهو يصرخ “لقد انتصرنا!”؟ هذا تمامًا ما يحدث هنا، مع فارق وحيد: في لبنان، لا يعود البطل ليأخذ قسطًا من الراحة، بل ينتقل مباشرة إلى الجولة التالية من الخراب.
حسن نصر الله وبشار الأسد… المتهمان في قضية “دمروا أوطانكم بأيديكم!”
حسن نصر الله وبشار الأسد، يا لهما من ثنائي ديناميكي في تدمير الأوطان! كل منهما يستحق جائزة الأوسكار في فئة “أسوأ دور قيادي”. الأسد قرر منذ سنوات أن الشعب السوري يستحق درسًا في “الإبادة الجماعية”، بينما نصر الله، يختار كل فترة أن يقدم للشعب اللبناني مسرحية جديدة بعنوان “من سيغادر منزله هذه المرة؟”.
الطريف في الأمر أن كل منهما يعتقد أنه يُنقذ بلاده! الأسد، في نظره، هو “رجل الإصلاحات”، وها هو نصر الله يلعب دور “حامي الحمى”. المشكلة الوحيدة؟ الشعب لم يطلب أبدًا هذا النوع من الحماية. في الواقع، اللبنانيون يرغبون فقط في الاستيقاظ يومًا ما دون أن يسمعوا صوت الانفجارات أو يجدوا أنفسهم في طوابير جديدة للنزوح.
انتصار… على من؟!
بعض محللي حزب الله، دائمًا ما يفاجئوننا بقدرتهم على تحويل المآسي إلى “انتصارات”. اليوم، يحكون لنا عن “النجاة من محاولة اغتيال” وكأنها أعظم إنجاز منذ تحرير القدس. طبعًا، هم لا يذكرون أن أكثر من 100 ألف لبناني اضطروا للهرب من بيوتهم في يوم واحد! لكن لا تقلقوا، هؤلاء مجرد “أضرار جانبية” في طريق النصر العظيم.
نصر الله، كعادته، سيخرج بخطاب ناري قريبًا ليخبرنا أن الوضع تحت السيطرة، وأنه لا داعي للقلق. ربما يطلب من اللبنانيين تقديم “التضحيات” مجددًا، وكأن اللبنانيين لم يُضحوا بكل شيء بالفعل! كيف يمكن الحديث عن انتصار في وقت يعيش فيه نصف الشعب تحت خط الفقر والنصف الآخر يعيش في طوابير النزوح؟
اللبنانيون يحتاجون إلى قيادة تُدرك أن الانتصار الحقيقي هو في إنقاذ أرواحهم وحياتهم، وليس في خوض معارك لا نهاية لها. ولكن، مع بشار الأسد في سوريا وحسن نصر الله في لبنان، يبدو أن الحل الوحيد هو الانتظار حتى يأتي القادة الجدد… أو حتى يُقرر القدر إسقاط مسرحية “النصر الزائف” التي تُعرض منذ سنوات على مسارح الشرق الأوسط.

وماذا عن إسرائيل؟