يمكن لفناني السلطة السورية أن يمثّلوا على الشعب العربي، وعلى المجتمع الدولي، ويدّعوا الإنسانية والرقّة والأخلاق، ولكنهم بطبيعة الحال لا يمكن أن يمثّلوا على السوريين، لأن الشعب السوري “كاشفهم”، فهو منذ اندلاع الحراك في عام 2011 يعرف طينتهم، وكيف يفكرون، وماذا يريدون، وما هي أهدافهم.
مع الزلزال المدمر، بدأت صفحات سورية تتناقل أخبار تبرع ممثلين سوريين للمتضرّرين. وبعيداً عن الأسماء، وبعيداً عن المبالغ التي تبرعوا بها، يمكن أن ننقد هذه التبرّعات على عدة مستويات.
المستوى الأول هو الشهرة، فمن يريد أن يساعد لا حاجة له لإعلان ذلك على الملأ. وبإعلانهم هذا، يبدو أنهم يريدون ممن حولهم أن يشكروهم على مساعدتهم، كي تنتشر أسماؤهم أكثر في الأوساط العامة والخاصة.
المستوى الثاني هو المال، فالأرقام التي دفعت أو تبرّعوا بها هي أرقام متواضعة مقارنة بالأجور التي يحصل عليها هؤلاء، ولكنها تبدو أرقاما كبيرة بالليرة السورية بحكم قيمة الليرة المتدنية، ولكنها لا تتجاوز بضع مئات من الدولارات، وفي أحسن الأحوال ألفاً أو ألفي دولار.
المستوى الثالث هو الأخلاق، فالسقطات الأخلاقية المتتالية لهؤلاء الممثلين توالت منذ 2011، بداية من مطالبتهم بسحق المتظاهرين، أو بقصف المدن، أو حتى تبنيهم لرواية النظام بوجود إرهابيين… دون أن يحرّكوا ساكناً، وهو ما لمسناه عند توقيع “بيان الحليب” في دمشق عام 2011، أو عندما تمّ اعتقال أطفال درعا، أو عندما نزلت البراميل المتفجرة بالمئات على منازل سوّيت بالأرض على ساكنيها، أو عندما قتل الكيماوي آلاف النساء والأطفال…
يعتقدون أنهم الآن، بإلقاء بعض المال، والإعلان عن ذلك، يمكن أن يمحوا جزءاً من سقطاتهم الأخلاقية السابقة.
أما المستوى الرابع والأخير فهو الإنسانية، إذ لا شك أنهم يريدون التشدّق بالإنسانية، هم يتباكون على ضحايا الزلزال، ويصدّرون أنفسهم على أنهم حماة البشرية، وهذا الأمر يمكن أن يمر على غير العارفين، لكن لا يمر على السوريين الذين يعرفون دوافعهم جيداً، إذ لا يمكن لمن صمت أمام أكثر من مليون قتيل وملايين اللاجئين والنازحين، أن يصبح فجأة صاحب قضية، ويريد أن يساعد و…
